أخيرا أوقف لفتيت مجلس جهة كلميم-واد نون، بإيعاز من الملك، كما راج. فخلال سنتين من «البلوكاج»، تبيَّن لكل الأطراف، المحايدة منها والمتورطة بمقدار، أن كل الحلول تحطمت أمام طاحونة الصراعات المركبة بين رئيس الجهة، عبد الرحيم بوعيدة، ومعارضه الشرس عبد الوهاب بلفقيه، الذي نجح في تحويل المعارضة إلى أغلبية عددية، ترفض التصويت بإيجاب على جل النقط المدرجة في جدول أعمال الدورات العادية والاستثنائية التي عقدها المجلس منذ مارس 2017، بما في ذلك النقط المتعلقة بمشاريع وُقِّعت أمام الملك. ولم يعد خافيا أن الرئيس الموقوف كان قد راسل الملك، يشتكي إليه «البلوكاج» الذي عرفه مجلس جهة كلميم-واد نون طيلة السنتين الأخيرتين، متهما غريمه بلفقيه، وجهات وصفها بالفاسدة، بالوقوف وراء عرقلة عمل المجلس. ماذا يحدث في بوابة الصحراء؟ هل هو، كما يبدو للوهلة الأولى، صراع سياسي بين رئيس ينتمي إلى التجمع الوطني للأحرار، وزعيم معارضة من الاتحاد الاشتراكي؟ هذا غير صحيح، خصوصا إذا علمنا أن بوعيدة مدعوم من مسؤولين اتحاديين بالجهة هما: يحيى أفرضان، رئيس المجلس الإقليمي لكلميم، وإبراهيم بوليد، رئيس المجلس الإقليمي لسيدي إفني. كما أن اليد اليمنى لبوعيدة هو مصطفى عماي، عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي. من جهة أخرى، فإن مستشارين اثنين من التجمع الوطني للأحرار بجهة كلميم-واد نون يوجدان ضمن المعارضة التي يقودها بلفقيه، وطالما احتج بوعيدة على هذا الأمر لدى رئيسه أخنوش. وفي آخر مرة جمعتهما، بحضور مباركة بوعيدة، ضرب له مثلا ببنكيران الذي لم يتوان في متابعة مستشارين من البيجيدي أمام المحاكم لأنهم لم ينضبطوا للقرار الحزبي، لكن أخنوش لم يُحرك ساكنا. إذا لم يكن الصراع سياسيا، فهل يكون قبليا؟ أبدا، فرئيسَا المجلس الإقليمي لكلميم وسيدي إفني، يحيى أفرضان وإبراهيم بوليد، إلى جانب كونهما يقاسمان عبد الوهاب بلفقيه الانتماء إلى الاتحاد الاشتراكي، فهما ابنا قبيلته آيت باعمران، كما أن اثنين من قبيلة آيت لحسن، التي ينتمي إليها بوعيدة، هما الحبيب أنازوم وأحمد بولون، منحازان إلى بلفقيه. فما طبيعة الصراع إذن؟ إن الصراع الذي تعرفه المنطقة منذ مدة، وظهر بشكل واضح وصارخ في جهة كلميم-واد نون، هو صراع ناتج عن مركب الريع الاقتصادي والفساد السياسي، الذي نشأ تحت مراقبة مسؤولي الدولة وقادة الأحزاب، وعربد في المنطقة الجنوبية عدة عقود، حتى حول مواردها إلى مناجم تستفيد عائلات محددة من خامها، كما حول الأحزاب والمجالس إلى ما يشبه «كارتيلات» سياسية تحتقر التوجيه الحزبي المركزي، ولا يكترث بقرارات الدولة. وأصبح المنتخبون الكبار يستخدمون المال العام والخاص لاستمالة أعضاء المجالس ذات اليمين والشمال. وقد سبق لبلفقيه أن اتهم بوعيدة بابتزاز ومحاولة شراء ذمم أعضاء بالمعارضة. كما سبق لبوعيدة أن اتهم بلفقيه باختطاف مستشارين من التجمع الوطني للأحرار، وضمهم قسرا إلى المعارضة… إن ما حدث في جهة كلميم-واد نون يطرح سؤال جدوى ورش الجهوية الموسعة، الذي يراهن عليه المغرب لإقناع العالم بمشروع الحكم الذاتي في الصحراء، كما يسائل الأحزاب السياسية، التي كنا نعتقد أنها تصبح مسلوبة القرار أمام الدولة، لنكتشف أخيرا أنها أيضا لا تملك قرارها أمام أعضائها في الصحراء.