هناك إجماع على أن الوقت لن يكون في صالحه ومعرفته الدقيقة باللاعب المغربي ضرورية يجمع العارفون بخبايا أمور الكرة المغربية على أنه من المحبذ جدا أن يكون الناخب الوطني المقبل، الذي ستوكل إليه مهمة قيادة أسود الأطلس في نهائيات أمم إفريقيا 2015، على علم دقيق بشخصية اللاعب المغربي، لأن الوقت ضيق جدا بين استلامه مهامه ودخوله مغامرة النهائيات القارية، فإنه يتعين عليه اختيار اللاعب المناسب في المكان المناسب، بهامش خطأ يكاد يكون منعدما. البدايات الخاطئة تنتج غالبا نهايات مأساوية وسريعة. وهذا ما حدث مع المنتخب الوطني الأول لكرة القدم، الذي كان متميزا في عهد الزاكي بادو، حتى إنه لم ينهزم سوى مرة واحدة طيلة سنوات، ووصل القمة بلعبه نهائي أمم إفريقيا تونس 2004، قبل أن يقصى، بصعوبة بالغة، من النهائيات العالمية لمونديال ألمانيا 2006، بعد تعادله مع تونس، في قلب العاصمة التونسية، بهدفين لمثلهما، إثر مواجهة غاية في الإثارة والتشويق. إن الزاكي كان مستهدفا منذ البداية من قبل أعضاء في الجامعة الملكية، لأسباب لم يكشف النقاب عنها إلى اليوم، سرعان ما اعتبر هؤلاء أن الفرصة مواتية كي يشنوا حملة على الإطار الوطني، بداعي أنه ارتكب أخطاء بالجملة، كان بعضها سببا في ضياع كأس إفريقيا (اختيارات اللاعبين)، والآخر سببا للغياب عن كأس العالم (الصراع مع العميد نور الدين النيبت)، وبعضها سبب في تراجع مستوى المنتخب بشكل عام. من هنا بدأت المأساة، لينتهي الأمر إلى ملهاة حقيقية، ذلك أنه بعد استقالة الزاكي، مر المنتخب بتجارب أكثر مما ينبغي، وكانت كلها عبارة عن فصول متنوعة من الفشل، اللهم في بعض المرات ! والتي لم يكتب لها أن تكتمل فقط، لأن «بدعة تغيير التغيير» صارت «سنة، حتى إن امحمد فاخر الذي نجح في قيادة المنتخب إلى نهائيات أمم 2008 بنجاح لافت للنظر لم يعط فرصة الذهاب إلى غانا، بل عوض بالفرنسي هنري ميشال الذي خرج، ومعه الأسود، من الدور الأول وبحسرة كبيرة في النفس! بدعة «تغيير التغيير» تصبح سنة..
كانت النهاية الحزينة لتجربة الفرنسي هنري ميشال، وهي الثانية مع المنتخب الوطني، بعد تجربة مونديال 1998 الممتازة، بمثابة ضربة قوية ل «بدعة تغيير التغيير» التي أخرجها إلى الوجود أعضاء من الجامعة. ومع ذلك، فقد استمرت البدعة إلى أن صارت سنة، وأصبح إعفاء أو طلب استقالة الناخب الوطني أمرا سهلا جدا، مع أنه كان يؤدي في كل مرة إلى هدم جزء من البناية الشامخة، حتى صارت مجرد أثر بعد عين. وفي ظل هذا الوضع السيء للغاية، كان طبيعيا جدا أن يتراجع المنتخب الوطني لكرة القدم في التصنيف العالمي الذي يصدره، كل شهر، الاتحاد الدولي لكرة القدم، وتتراجع معه هيبة الأسود، ومن تم تتراجع حتى رغبة البعض في تجريب قيادتهم، بحيث تجرأ مدربون ورفضوا -بكل صراحة- أن يقدموا على تدريب المنتخب المغربي، نظرا لما بلغهم عن تعاطي الجامعة مع من سبقوهم، وكيف أقيل-على سبيل المثال- البرتغالي همبيرتو كويليو، أو الفرنسي هنري ميشال، أو مواطنه روجي لومير، أو الفرنسي الآخر فيليب تروسيي، الذي لم تمض على تعيينه أسابيع حتى قيل له: «انتهى، شاركت معنا في الكاميرا الخفية !». واحدة من التجارب الأكثر سوءا كانت تلك التي قاد خلالها رباعي من خيرة الأطر المغربية أسود الأطلس، ذلك أن الجامعة، على عهدها الجديد آنذاك مع علي الفاسي الفهري، قالت لهم: «أنتم لن تحاسبوا على شيء»، وهو ما وضعهم خارج كل تحد أو رغبة في الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة، فكان الخروج من نهائيات كأس العالم 2010 جرحا عمق من آلام كل المغاربة، في وقت تقدم فيه الكاميرون.
لماذا لم ينجح ناخبون كبار؟
هذا السؤال هو المفتاح الحقيقي للحصول على مواصفات القائد الجديد للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم، ذلك أنه دون معرفة الأسباب التي أدت إلى إعفاء أو طلب استقالة أكثر من ناخب وطني في فترة قياسية، لن يتسنى للجهاز الجامعي الجديد معرفة أي رجل يستحق أن يكون بيده زمام المنتخب، وبالتالي ستكون التجربة المقبلة فاشلة ومؤلمة جدا، لأن النهائيات القارية ستجري في المغرب، ولا يتصور أي مغربي فقدان الكأس مرة أخرى وهو ينظم في بلاده، بعد أن خسره الأسود سنة 1988 بخروجهم من نصف النهائي بالانهزام أمام الكاميرون بهدف لصفر. ولنعط مثالا بمدرب عالمي كبير هو الفرنسي روجي لومير، الذي سبق له أن فاز بكأس العالم لسنة 1998 مع منتخب فرنسا، بصفته مدربا مساعدا لإيمي جاكي (أصبح في وقت لاحق مديرا تقنيا وطنيا للاتحاد الفرنسي لكرة القدم)، ثم فاز بكأس أوربا للأمم، بصفته مدربا للديكة (على حساب إيطاليا، وبالهدف الذهبي من قدم تريزيغي)، وفاز بكأس إفريقيا مع نسور قرطاج، على حساب منتخب الزاكي في دورة 2004، بما كان يعطيه أهلية كبيرة لقيادة سهلة وميسرة لمنتخب مغربي مكون في غالبيته من لاعبين يمارسون في الدوريات الأوربية.
لومير لماذا يفشل؟
أغلب المهتمين بالمنتخب الوطني يؤكدون أنها بدعة «تغيير التغيير» التي صارت سنة مؤكدة تطغى على تفكير المسيرين في الجامعة، وفي بعض الأحيان، بوحي ممن يدورون في الفلك، ولا يهمهم أن يبقى الحال مستقرا، لأن في الاستقرار، مهما كان لفترة قصيرة، إضرارا بمصالحهم، ولذلك بالضبط استمر الحال حتى في ظل الجهاز الجامعي الجديد، إذ أقيل الفرنسي لومير، وسلمت مقاليد التدبير للرباعي حسن مومن، والحسين عموتة، وعبد الغني بناصري، وجمال سلامي، ثم جاء التعاقد مع البلجيكي إيريك غيريتس، وبعده مع رشيد الطاوسي، أما فيما يخص المنتخبات الصغرى، بدءا من منتخب الفتيان، مرورا بالشبان، وصولا إلى المنتخب الأولمبي، فحدث ولا حرج !
أي مواصفات لمدرب «نهائيات 2015»؟
هناك مسألة، حسبما يراه المهتمون، ضمنهم حتى ناخبون سابقون، تؤطر عملية اختيار الناخب الوطني الجديد، وهي الهدف الأساسي من اختياره، ذلك أنه إذا كانت جامعة الرئيس المقبل، الذي سينتخب في الثالث عشر من شهر أبريل الجاري، ترى أن الفوز بكأس إفريقيا 2015 هدفا أساسيا، سيتعين إيجاد مواصفات مضبوطة لهذا الغرض في الناخب الجديد، أما في حال كان الهدف هو تكوين منتخب يبرز في السنوات المقبلة، فتلك حكاية أخرى تماما. غير أن المهتمين أنفسهم يرون أنه ما دام بإمكان المنتخب المغربي الوصول، على الأقل، إلى نصف نهائي كأس إفريقيا للأمم 2015، التي ستجري فعالياتها في المغرب. فإذن، يتعين أن يقع الاختيار على ناخب وطني يعرف عقلية اللاعب المغربي بشكل جيد؛ سواء تعلق الأمر بمن يمارس في الدوريات الخارجية، وخاصة منها دوريات أوربا، أو تعلق الأمر بمن يمارس في الدوري الوطني، هذا فضلا عن معرفته بالكرة الإفريقية، خاصة ما يتعلق بالمنتخبات التي يوجد أغلب لاعبيها في الدوريات الأوربية، ما يفترض أن يمهد له الطريق إلى التميز. هل توجد هذه المواصفات في مدرب مثل روني جيرار، أو جيوفاني تراباتوني، أو رود غوليت، أو آخرين ممن تداولت وسائل الإعلام أسماءهم أخيرا؟يمكن الجزم سريعا بأن أيا من هاته الأسماء لا معرفة لها بعقلية اللاعب المغربي، اللهم بعض من يلعب في أوربا. وهنا وجه النقص لدى هؤلاء، سيما أن رغبة المغاربة كبيرة في الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة في النهائيات الإفريقية، ما دام المنتخب الوطني سيتمتع بامتياز اللعب في بلده؛ أي في أجواء يعرفها، وفي ملاعب جيدة، وفي حضن جمهوره، وبدون أي ضغط من أي نوع، أو أعذار تنفعه في نهاية المباريات، من قبيل الحرارة والرطوبة و «الناموس» و «ذباب تسي تسي».
المدرب المغربي.. هل ينجح ؟
هذا السؤال يعيدنا إلى أصل الحكاية. وهي أن المسألة تتعلق بعقلية المسير والأهداف التي رسمها لمستقبل الكرة المغربية. وهل يرغب في الفوز بكأس إفريقيا 2015؟ أم يريدها محطة جيدة ضمن مراحل متعددة لبناء منتخبات قوية، وليس فقط المنتخب الوطني الأول، وما إذا كان سيحدث ذلك في إطار استراتيجية عمل واضحة المعالم، أم أن الأمور ستبقى كما كانت عليه في السابق، بحيث يؤتى بناخب وطني، ويوضع في سياق التجربة، ويجد نفسه كاليتيم في مائدة اللئام، محاطا بمن ليس لهم مصلحة في نجاحه، ثم يلقي بورقة الاستقالة، أو يقال له «إرحل»، وتتكرر التجربة من جديد. بطبيعة الحال، بإمكان أكثر من مدرب مغربي أن ينجح، والدليل على ذلك أن منتخب مصر الذي ظل يراهن على الفوز بكأس إفريقيا تشبث بحسن شحاتة، وتمكن من الفوز معه بثلاثية غير مسبوقة سنوات 2006، و2008، و2010، بما جعله مرجعا في هذا الجانب، وإن لم يتسن له التألق مع المنتخب نفسه على مستوى أعلى، في ظل مباراة سد «سياسية» جمعته بمنتخب الجزائر، وانتهت إلى إشعال فتيل أزمة دبلوماسية كبيرة بين مصر والجزائر. بالفعل، لقد نجح كل من مصطفى مديح، والزاكي بادو، وامحمد فاخر، وسعيد الخيدر، ورشيد الطاوسي، وقبلهم جميعا الراحل عبد الله بليندة، وعبد الخالق اللوزاني، والراحل محمد العماري، وحمادي حميدوش وجمال جبران، وفتحي جمال، وحسن بنعبيشة، حميدو الوركة، وغيرهم من الأطر الوطنية، مع المنتخبات الوطنية المغربية لكرة القدم، ما جعل من نجاحهم بصمة في تاريخ كرتنا لا يمكن محوها. غير أن المشكلة في المرحلة المقبلة أن أي إطار وطني اختير لقيادة الأسود سيكون عليه ضغط أكثر من غيره في «كان 2015»، وقد يشكل هذا الضغط أكبر نقطة سلبية في ملف ترشيحه لإدارة المنتخب.
المحترفون.. شبه إجماع على الإطار المغربي قد يبدو الأمر مفاجئا للكثيرين، غير أن هذه هي الحقيقة، فأغلب المحترفين المغاربة الذين يمارسون في الدوريات الأوروبية، على وجه الخصوص، يفضلون لو تتعاقد الجامعة الملكية المغربية، في المرحلة الراهنة، لعدة اعتبارات، أبرزها أنه يفهم عقلية اللاعب المغربي. ففي تصريحات ل»راديو مارس» أكد كل من عمر القادوري وعادل تاعرابت، وهما يلعبان معا في الدوري الإيطالي لكرة القدم، أنهما، وجميع زملائهما الآخرين في الكالتشيو، يلتئمون حول الفكرة نفسها، والتي مفادها أنه سيكون من الأحسن لكرة القدم المغربية، في المرحلة الراهنة، التي تقوم أساسا على كسب تحدي نهائيات أمم إفريقيا 2015، الارتباط بمدرب مغربي. اللاعبان، حسبما ذكراه ل»راديو مارس»، وحسبما أسرا به لبعض المقربين منهما، أوضحا أن إجماع لاعبي إيطاليا، خصوصا، على تفضيل مدرب مغربي، لقيادة المنتخب في المرحلة الراهنة، يعود إلى أنه يعرف أكثر عقلية اللاعبين المغاربة، ويفهم رغبات الجمهور، فضلا عن أنه يفهم خبايا الكرة الإفريقية، وسيكون لديه حماس أكبر بهدف الفوز بالكأس، وهو ما سيصب في صالح هؤلاء جميعا، بما أنهم يرغبون في التتويج مع المغرب. الحسين خرجة، الذي يقال إنه قريب من العودة إلى الدوري الإيطالي، وكان مر بتجربة سيئة في قطر، فضلا عن أنه أبعد بشكل قاس من المنتخب في مرحلة رشيد الطاوسي، أوضح هو الآخر، حسب مصادرنا، أنه يفضل لو أسندت قيادة المنتخب الوطني الأول في المرحلة الراهنة لإطار مغربي، لأن التجارب السابقة بينت قدرته على النجاح، لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية. في مقابل ذلك، صرح أسامة السعيدي، الممارس في فريق ستوك سيتي الإنجليزي، بأن تعاقد الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم مع مدرب محلي لتدريب الأسود لن يكون جيدا، وأنه يفضل أن يكون الناخب الوطني أجنبيا. وقال السعيدي، أخيرا، في تصريح للصحافة الإنجليزية عن وضع الكرة المغربية، إنه على جامعة الكرة التعاقد مع مدرب عالمي، مضيفا: «يجب بداية إيجاد مدرب جيد، لا يكون مدربا مغربيا، بل مدربا من الخارج، نحن نملك لاعبين جيدين، لكننا لسنا بعد فريقا جيدا، يجب علينا أن نكون أكثر جودة كفريق، وليس كل واحد يلعب من أجل نفسه، ينبغي علينا أن نلعب من أجل الوطن، وإذا حدث هذا فسيكون بمقدورنا القيام بالكثير من الأشياء».
الزاكي ومومن.. بين المرحلي والاستراتيجي بينما دعا الزاكي بادو، الناخب الوطني الأسبق، إلى ضرورة العمل بسرعة لتنصيب قائد جديد للمنتخب الوطني، على اعتبار أنه بالإمكان المنافسة على لقب نهائيات أمم إفريقيا 2015 التي ستنظم في المغرب، ارتأى حسن مومن، الناخب الأسبق أيضا، أن الأجدر هو العمل بدون أي اعتبار ملح للمرحلة الحالية، والتركيز على كسب الرهان في الأمد المتوسط والبعيد. وقال الزاكي بادو، حين حل ضيفا، قبل أسابيع على «راديو مارس»، إنه بالإمكان المنافسة على لقب دورة 2015 التي ستنظم في المغرب، وذلك بتوفير الظروف المحيطة اللازمة للقائد الجديد للمنتخب، سيما أن هناك نخبة من اللاعبين الجيدين حاليا في البطولة الوطنية، وفي أوربا خصوصا، فضلا عن أن هناك عدة امتيازات ستصب في صالح أسود الأطلس، ضمنها دعم الجماهير. الزاكي، الذي دعا إلى ضرورة التسريع بتعيين ناخب وطني رحبا للوقت، بما أنه لم يعد هناك متسع كبير أمام المنتخب والتحضير للنهائيات القارية، أوضح أن مهمة القيادة الجديدة ستنحصر، كما هو معروف في كل ناخب، في الاختيار الصائب للاعبين، وتجميعهم على قلب رجل واحد، وتحميسهم، وإشعارهم بقيمة ومعنى اللعب للمغرب، ولأجل إسعاد المغاربة، ومن تم سيكون ممكنا الذهاب إلى أبعد نقطة ممكنة في المنافسة. في مقابل ذلك، ارتأى حسن مومن، وهو أيضا ناخب سابق، وكان ضيفا في الوقت نفسه على «راديو مارس» مع الزاكي، أن الأفضل في هذه الأثناء هو العمل على العمق، وفي العمق، لأن التركيز بشكل كبير على نهائيات 2015 يمكنه أن يعود بالسلب على الكرة المغربية في حال فشلها لا قدر الله ! مشيرا إلى أن عمله مع المنتخب سابقا علمه أشياء كثيرة، جعلته يخرج بهذه الخلاصة، والتي تعتبر بالنسبة إليه ذات قيمة كبيرة. حسن مومن، الذي اشتغل مع المنتخب ضمن ما سمي ب «التركيبة الرباعية» مع كل من عبد الغني بناصري وجمال سلامي والحسين عموتة، أكد أن العمل على العمق، وفي العمق يعني بالنسبة إليه بناء بطولة وطنية قوية جدا، فضلا عن منتخبات سنية ذات تكوين عالي، مشيرا إلى أي تعامل غير هذا سيفضي إلى السقوط في الإشكالات السابقة نفسها، بحيث ستبقى الكرة تدور في حلقة مفرغة، وتبدأ كل مرة من الصفر.