يبدو أن الجدل حول العلاقة بين تفشي سرطان الرحم وتعدد العلاقات الجنسية، الذي تفجر بسبب تصريحات للداعية عبد الرحمان السكاش على إذاعة "شذى إف إم" وأثار غضب الناشطة النسائية سمية نعمان جسوس، آخذ في الاتساع، بعد أن دخلت الهيئة العليا للسمعي البصري على الخط، بتوجيه رسالة استفسار إلى الإذاعة المعنية نهاية الأسبوع المنصرم. مصدر في الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري أكد أن القرار اتخذ يوم الخميس الماضي، وقال إن توجيه رسالة إلى الإذاعة المذكورة لتوضيح ملابسات الواقعة يعتبر خطوة ضرورية قبل اتخاذ أي إجراء في حق الإذاعة المعنية. وكان برنامج "دين ودنيا" الذي تبثه الإذاعة كل يوم جمعة، وتستضيف فيه الداعية عبد الرحمان السكاش، قد خصّص حلقة 19 يناير الماضي للعدة الشهرية عند المرأة، والتي حددها القرآن في 4 أشهر و10 أيام تلزم خلالها المرأة بأن تظل دون زواج، وفي محاولته تعليل هذه المدة التي قد تبدو طويلة بالنسبة للمرأة الأرملة مثلا، أتى السكاش بمبرر علمي من وجهة نظره، مفاده أن أول اتصال جنسي للمرأة مع زوجها يؤدي إلى تشكل بصمة (كود) بينهما، وأن مدة العدة الزوجية هي الفترة الكافية لاختفاء ذلك الكود، قبل الزواج مرة أخرى من رجل آخر، مؤكدا أنه تعدد العلاقات الجنسية للمرأة يؤدي إلى اضطرابات في "الكود" الخاص بالزوج، ومن ثم يؤدي إلى سرطان الرحم. وأثار هذه الفهم غضب الباحثة الاجتماعية سمية نعمان جسوس، أستاذة بجامعة الدارالبيضاء، التي وصفت السكاش في رسالة مطولة موجهة للمسؤولين وللرأي العام الوطني ب"التطرف والجهل"، وقال إن ما تفوه به على الملأ "لا يستند إلى أي نص ديني"، ولا أساس له في مجال البحث العلمي المتعلق بالسرطان، مؤكدة أن الهدف من فترة العدة الزوجية هو التأكد مما إذا كانت المرأة الأرملة حاملا من زوجها المتوفي أم لا، لأن المولود له حقوق منها نصيبه في الإرث. ودعت جسوس إلى توقيف برنامج "دين ودنيا"، كما دعت تشديد الرقابة على الخطاب الديني الذي يُبث على وسائل الإعلام. المدير العام للإذاعة المعنية، رشيد حياك، سارع إلى التبرؤ من تصريحات الداعية السكاش والخط التحريري للإذاعة، وقال في تصريح نشره الموقع الإلكتروني للإذاعة إن "حديث السكاش يندرج ضمن الحق في التعبير عن وجهة نظره، كما جرت العادة بالنسبة للعديد من ضيوف الإذاعة"، مؤكدا أن هذا المبدأ "يسري على الجميع"، وأن "الإذاعة ملتزمة بتكريس حرية التعبير والحق في الاختلاف، في إطار القوانين الجاري بها العمل، فهي ملتزمة بشكل أدق في التحكم فيما يبث على أثيرها في انسجام تام مع القوانين ودفتر التحملات"، وفي الوقت ذاته أساد "حياك "بالتزام الأستاذ السكاش وتجربته وأدائه وانضباطه خلال مدة تعامله مع الإذاعة". أما السكاش فقد ردّ على جسوس ليس بالتراجع عن تصريحاته، وإنما بإعلان تشبثه ب"الثوابت الوطنية"، وقال في هذا الصدد "أجدد التذكير بتعلقي الشديد والأبدي بالثوابث الوطنية التي عبرت وأعبر عنها دوما على إذاعة شدى، فأنا أفتخر ببيعتي لجلالة الملك نصره الله، كما أنني متعلق بإمارة المؤمنين كمرجعية دينية لكل المغاربة، فضلا على أنني متعلق بالوسطية المعتدلة كمنهج أساسي في التعاطي مع كل القضايا". وقد واصل السكاش تأطير وتنشيط نفس البرنامج خلال يوم الجمعة الماضي، ما يعني أن الإذاعة لم توقفه كما تطلعت جسوس إلى ذلك. غير أن الجدل تجاوز الإذاعة المذكورة، وكذا جسوس والسكاش، إلى استقطاب ما فتئ يتصاعد بين فريقين، أحدهما مؤيد للداعية السكاش اعتبر أن ما يتعرض له فيه "إعادة نصب محاكم التفتيش العلمانية من جديد"، وبين فريق آخر انتصر لجسوس، وقال إنها تتعرض لهجمة من قبل "مجموعة من الأشخاص منصبين أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي الحنيف وهو براء منهم"، كما جاء في بلاغ للجمعية المغربية للعلوم الجنسية.