كشف أخيرا المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، الرئيس الألماني السابق هورست كوهلر، خطته الرامية إلى إيجاد حل نهائي للنزاع الذي دخل عقده الرابع. كوهلر، وبعد المؤشرات الأولية التي ظهرت بعيد تعيينه؛ انتقل نهاية الأسبوع الماضي إلى إفريقيا، حيث التقى بالرجلين اللذين سيكونان على رأس الاتحاد الإفريقي نهاية شهر يناير الماضي. كوهلر حلّ بالعاصمة الرواندية كيغالي، حيث التقى يوم الجمعة الماضي رئيس البلاد بول كاغامي، والذي سيتسلّم مشعل رئاسة الاتحاد الإفريقي من نظيره الغيني ألفا كوندي، يوم 28 يناير الجاري. كوهلر الذي التقى قبل ذلك كلا من رئيس المفوضية الإفريقية، التادي محمد موسى فقي، ورئيس مجلس الأمن والسلم الإفريقي، إسماعيل شرقي؛ كشف بانتقاله إلى العاصمة الرواندية ولقائه بول كاغامي، أن تحركاته الدبلوماسية الجديدة التي انطلقت من عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسيل، تحضّر خطة مستقبلية، من خلال حرصه على الاجتماع بالرئيس المقبل للاتحاد الإفريقي، عوض الرئيس الحالي. فيما يعتبر الدور الإفريقي في ملف الصحراء أحد الخطوط الحمراء بالنسبة إلى المغرب، حيث ظلّت المملكة منذ انسحابها من منظمة الوحدة الإفريقية، تصرّ على رفض أي دور إفريقي باعتباره دورا منحازا إلى الطرف الآخر. لقاءات كوهلر تعتبر بذلك سابقة في التدبير الأممي للملف، حيث لم يسبق لأي وسيط أن خصّ المسؤولين الأفارقة بحصة من جولاته الدبلوماسية. الرئيس الرواندي أعلن عن اللقاء في موقعه الرسمي، عبر صورة تجمع بكل من كوهلر وموسى فقي. الموقع أورد تصريحا لوزيرة الخارجية الرواندية لويزموشيكيوابو، تقول فيه إن محادثات كوهلر وكاغامي انصبت حول ما بعد تسلّم هذا الأخير مهام رئاسة الاتحاد الإفريقي في القمة التي ستنعقد يوم 28 يناير بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا. "خلال هذا الاجتماع، تمت مناقشة جميع السبل التي يمكن للقادة الأفارقة من خلالها أن يساهموا في إيجاد حل لنزاع الصحراء"، تقول الوزيرة الرواندية. من جانبه، رئيس المفوضية الإفريقية، محمد موسى فقي، أعلن عن لقائه هورت كوهلر في العاصمة الرواندية، عبر تغريدة له في حسابه عبر تويتر. الخبير في ملف الصحراء عبد المجيد بلغزال، قال ل"اليوم24" إن ما يجري من تطورات، يساعد في تفسير خطاب الملك الأخير بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي جدد التذكير بلاءات المغرب. "الخطاب كان استباقيا وأكد ضرورة الالتزام بالإطار المرجعي للمفاوضات ولا شيء غير ذلك". بلغزال أضاف أن وثائق مخطط التسوية الأممي لنزاع الصحراء، "يكشف اختلافا بين الوثيقة المؤسسة الأولى التي تحمل رقم 21/360، وتلك التي تلتها تحت رقم 22/464". هذه الأخيرة تضمنت حسب بلغزال مادة صريحة حصرت تدبير ملف الصحراء للأمم المتحدة، "لكننا ومع ذلك، شهدنا محطات متعددة للخلاف بين الأممالمتحدة والمغرب، خاصة في عملية تحديد الهوية، بسبب حضور الاتحاد الإفريقي، وواقعة طرد المكون السياسي للمينورسو من العيون العام الماضي، كشفت هذا الحضور". بلغزال يعود لينبّه إلى ضرورة تجنّب أي تحامل على هورست كوهلر بسبب تحركاته الإفريقية الجديدة. "الرجل اليوم، ينطلق من عملية استكشاف كبيرة لكل الآليات والقضايا المرتبطة بالنزاع، وهذا ما يفسر ذهابه إلى الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي وعدم اكتفائه بأصدقاء الصحراء، وهذا أمر طبيعي لمعرفة المداخل والجهات التي يمكن أن تكون مساعدة في تقريب وجهات النظر". وأوضح بلغزال أن اختيار كوهلر لقاء الرئيس المقبل للاتحاد الإفريقي عوض الرئيس الحالي، "محاولة لمعرفة الإمكانات المتاحة والبدائل الجديدة لإعادة تنشيط المفاوضات، لكن هناك رهانا آخر هو ما يسمى بتحويل النزاع من الدوائر الصغرى المغلقة إلى الدوائر الكبرى. هذه العملية قام بها المغرب نفسه حين طرح مقترح الحكم الذاتي القائم على التدبير المشترك والانفتاح على دائرة أكبر تتجاوز الأطراف المرتبطة بشكل مباشر بالنزاع". الدبلوماسي الألماني الذي تسلّم مهام المبعوث الشخصي إلى الصحراء، خلفا للأمريكي كريستوفر روس شهر شتنبر الماضي؛ انتقل إلى سرعة غير معهودة في التحركات الدبلوماسية المحيطة بملف الصحراء، حيث اجتمع الأسبوع الماضي بالمسؤولة الأولى عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني، في وقت يعود فيه بقوة إلى الواجهة ملف الاتفاقيات التجارية بين المغرب وبروكسيل، بفعل تنامي ضغوط البوليساريو وحلفائها الجزائريين والأوروبيين، للقطع مع شمل هذه الاتفاقيات لتراب ومياه الصحراء. كوهلر الذي يحافظ على تكتّم مطلق، حيث يمتنع عن إصدار أية بيانات أو تصريحات سواء قبل أو بعد لقاءاته الدبلوماسية، يكشف تدريجيا عن أوراقه في الوساطة التي كلفه بها الأمين العام الأممي أنطونيو غوتريس. السعي إلى إعادة الاتحاد الإفريقي إلى المساهمة في حلّ نزاع الصحراء، ظهر جليا في القرارات الأولى التي اتخذها كوهلر، والمتمثلة في اختيار أفراد طاقمه الشخصي. كوهلر وعكس المبعوثين الأمميين السابقين، التمس من غوتريس تخويله تشكيل فريق جديد من خارج الموظفين التابعين للأمم المتحدة. أمر استجاب له غوتريس، وهو ما جعله يأتي منتصف أكتوبر الماضي للقاء الملك محمد السادس، مرفوقا بمستشار خاص، وهو الدبلوماسي الألماني دافيد شفاك. هذا الأخير هو دبلوماسي ألماني شاب، اشتغل إلى جانب مهام في الخارجية الألمانية وأخرى في العاصمة الأمريكيةواشنطن، في عدد من سفارات ألمانيا في إفريقيا، قبل أن يعيّن عام 2013 على رأس سفارة ألمانيا في جمهورية السودان الجنوبية المنفصلة عن السودان. لمسة إفريقية أخرى ظهرت مؤخرا في الفريق الأممي المشرف على تدبير ملف الصحراء، تتمثل في الرئيس الجديد لبعثة المينورسو، وهو الكندي كولين ستيوارت. هذا الأخير الذي كان يوم الجمعة الماضي في ضيافة وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت بالرباط؛ جاء إلى العيون مباشرة من عاصمة الاتحاد الإفريقي أديس أبابا. الدبلوماسي الكندي تولى منذ 2011 وإلى غاية 2016، مهمة المدير المساعد لمكتب الأممالمتحدة لدى الاتحاد الإفريقي، ويعتبر خبيرا معتمدا على الصعيد الدولي، في مجال تنظيم الانتخابات وتطوير الديمقراطية. عبد المجيد بلغزال قال إن الجديد اليوم، هو عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، والتي تتيح مثل هذا الفضاء الأكبر لإعادة تموقع النزاع، في الفضاءين الإفريقي والأورو متوسطي. "فالمتضرر من هذا النزاع بلغة المصالح هو الضفتان الشمالية للمتوسطي في أوروبا وجنوب الصحراء في إفريقيا، ومن هذه الزاوية لا يجب أن نتحامل على الرجل لأن اللحظة استكشافية، ومن حق الفريق الجديد أن يقوم بها لحلحلة الإشكال". وذكّر بلغزال بكون الرئيس الرواندي "هو الذي وضع آليات إصلاح الاتحاد الإفريقي التي سيبدأ تطبيقها، ورواندا إلى جانب نيجيريا في موقع جيد للعب دور إيجابي بمسافة محترمة من الطرفين، أي أنصار المغرب داخل إفريقيا وداعمي البوليساريو. وبالتالي، نحن أمام فرصة تاريخية، وما سيفعل هذه الفرصة هو كون الأمين العام الأممي ينحدر من داخل الفضاء المتوسطي، والمبعوث الشخصي بدوره اشتغل على مسارات التنمية في إفريقيا".