منذ زمان، تحمل الدولة المغربية نزوعا هيمنيا في تدبير العلاقة مع المجتمع، حيث تنهض بنيتها العميقة على فكرة الضبط المسبق لرقعة وحدود ومضمون تدخل باقي الفاعلين، وعلى الترتيب المسبق للاتجاهات الكبرى للحياة السياسية والاقتصادية. لذلك، وهي التجسيد الحي لإرادة التحكم الفوقي في كل ديناميات "التحت"، والمعتمدة على ما يعرف في الثقافة المخزنية ب"التَاوِيل" و"القاعيدة"، فإن عدوها الأول هو القرار المجتمعي المستقل (بأشكاله الحزبية والنقابية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية)، وخصمها الطبيعي هو المفاجأة. هكذا تتحول مناهضة الحزبية المستقلة إلى هوية راسخة للدولة، تعمل على تنزيلها بحزمة من الأدوات والتكنولوجيا السياسية التي أعطت دائما نتائج مبهرة. وبحكم المراس والتجربة، فقد طورت الدولة حاسة خاصة لتدبير ارتباك المفاجآت، فعلت ذلك مثلا مع "مفاجأة استراتيحية" من حجم الربيع العربي، وفعلت ذلك، مع مفاجأة على مستوى "الكاستينغ" من حجم عبدالإله بنكيران. ما يبدو من تنازلات جزئية، سرعان ما يتحول مع الزمن إلى مجرد حركة سحرية أو وهم بالتنازل، أكثر من ذلك، يصبح في الواقع نوعا من إعادة انتشار الدولة، لذلك تخرج الدولة أقوى بعد دورات الاحتجاج التي لا تعمل في النهاية سوى على شحذ العقيدة السلطوية . الزمن حليف جيد للمخزن، الذي لا "يأكل" خصومه إلا على نار هادئة، وراءه في ذلك تقاليد قديمة وثقافة راسخة ودربة تاريخية في الاستنزاف والإدماج والإغراء والإقصاء والإنهاك والتحييد. ما يقع اليوم للعدالة والتنمية، وما وقع قبل ذلك للاتحاد، ليس سوى امتداد لمدرسة كاملة في الترويض. الواقع يقول إن مخزنة الدعاة إلى الإصلاح لايزال مشروعا ناجحا، وأن دمقرطة المخزن انطلاقا من دائرة المؤسسات تبدو الآن مشروعا أقرب ما يكون إلى الاستحالة ! بعد سنوات من العراك والصراع والندية، يفضل المخزن "التمثيل" بخصومه السابقين، عوض دفنهم في قبور تليق بهم كموتى، هكذا يعمل على تحويلهم إلى مسخ حي، إلى مجرد كاريكاتير للنسخة الأصلية، إلى بقايا صور من الماضي، إلى نقيض مطلق للقيم التاريخية، إلى أحزاب تدبر بأنصاف بهلوانيين، إلى مجرد ملحقات بئيسة لأحزاب الإدارة. لذلك تحرص الإدارة على مدهم بأكسجين اصطناعي، للقيام بأدوار اصطناعية، انتقاما من التاريخ، وأساسا لأنهم في حالة "ما بعد الطبيعة" يصبحون شهودا على انتصار مشروع الإدارة القائم على التحكم . التحولات المجتمعية الكبرى باتت توضح أن الدولة لم تعد قادرة على التحكم في الزمنين الاجتماعي والانتخابي، لكنها تعوض ذلك بتحكم غير مسبوق – إطلاقا- في الحقل الحزبي. الهشاشة الحزبية تحول "الهبة" الانتخابية إلى حدث معزول في السياسة، وتجعل من "الحراك" الاجتماعي فاقدا للسند السياسي وللصوت المؤسساتي. في هذا السياق، وسيرا على موضة متمنيات السنة الجديدة، ليس هناك بتاتا أي مكان للأوهام: الرجل الجديد للمرحلة – وفقا للوصفة البائتة – قادم بلا أدنى تردد . "البام" أنهى فترة صلاحيته موقعا على نهاية سريعة لاختيار "مختلف" قائم على حزب للدولة بخلفية إيديولوجية . العدالة والتنمية سيستمر تحت الضغط والاستنزاف إلى أن يصبح حزبا كالآخرين، بلا روح ولا مبادرة، فيما تنتظر حزب التقدم والاشتراكية جولة قاسية في صحراء التأديب المخزني العتيق . سنة سعيدة للجميع.