سنة 2017 هي عام "البلوكاج" بامتياز. فإلى غاية متم العام 2016، ورغم أن الصراع بين رئيس الحكومة السابق، عبدالإله بنكيران، وخصومه الذين قادهم عزيز أخنوش، بلغت ذروتها، إلا أن التحالف الرباعي وما نتج عنه من استعصاء في تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 7 أكتوبر، سوف تبرز مع بداية 2017. فقد كشفت نتائج استحقاقات 7 أكتوبر عن تغيّر شامل في المشهد السياسي للمغرب تجسّد في تقلّص عدد الأحزاب التي تمكّنت من ولوج البرلمان، من 18 حزبا في 2011، إلى 12 حزبا، وذلك رغم تخفيض العتبة الانتخابية من 6% إلى 3%، وعدول أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي عن خيار المقاطعة ومشاركتها في استحقاقات هذا العام. حزب الاتحاد الاشتراكي تمكّن في آخر لحظة وبفضل أصوات اللائحة الوطنية من استكمال النصاب الضروري لتشكيل فريق برلماني، أي 20 مقعدا، وذلك بعدما كان في الولاية السابقة يحوز 39 برلمانيا، أي إنه فقد نصف عدد مقاعده تقريبا. في اليوم الموالي لظهور نتائج الانتخابات، كان بيت الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي (أو مقر الحزب في روايات أخرى)، يحتضن لقاء لقادة جلّ الأحزاب السياسية، باستثناء حزب العدالة والتنمية، طُرحت فيه فكرة إعلان تشكيل أغلبية برلمانية يقودها حزب الأصالة والمعاصرة، وتتفق على انتخاب الاتحادي حبيب المالكي، رئيسا لمجلس النواب. لقاء ظلّت تفاصيله تتسرّب تدريجيا، وتتأرجح بين النفي والتأكيد. وكان المقترح يقضي بتوجيه رسالة إلى القصر الملكي، مفادها أن هذه الأغلبية تعلن تحالفها وترفض الاصطفاف إلى جانب حزب العدالة والتنمية. قصة ستخرج رسميا إلى العلن على لسان رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، في شريط فيديو يوثّق كلمة ألقاها ضمن اجتماع داخلي للجنة الوطنية لحزب العدالة والتنمية بداية نونبر 2016. الشريط الذي نشر بعد نحو أسبوع من تسجيله، تحدّث فيه بنكيران عن "محاول انقلاب على نتائج 7 أكتوبر". تفاصيل هذا المخطط سوف يفجّرها بوضوح الأمين العام السابق لحزب الاستقلال، حميد شباط، خلال معركته الطاحنة التي انتهت بإزاحته من قيادة الحزب. فبعدما كان قد تحوّل إلى المطلوب الأول خلال مرحلة ال"بلوكاج"، التي تلت انتخابات العام الماضي؛ قال شباط في إحدى خرجاته الإعلامية إن رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، طلب منه الامتناع عن التحالف مع رئيس الحكومة السابق عبدالإله بنكيران، وانتظار فشله في تشكيل الأغلبية لينضم حزب الاستقلال إلى أغلبية يقودها حزب الأصالة والمعاصرة. شباط قال إن أخنوش التقى به قبل المؤتمر الاستثنائي، الذي عقده حزب التجمع الوطني للأحرار نهاية أكتوبر الماضي، وانتخب فيه أخنوش، رئيسا للحزب، بدلا من صلاح الدين مزوار. وذهب شباط إلى أن أخنوش حاول إقناعه بفكرة الامتناع عن التحالف مع بنكيران، "لكنني رفضت رفضا قاطعا"، يقول شباط. هذا الأخير ذهب إلى أن وزير الفلاحة دعاه إلى انتظار فشل بنكيران وتشكيل أغلبية جديدة تضم كلا من الاستقلال والأحرار والأصالة والمعاصرة فضلا عن "أحزاب أخرى". بعد ذلك، يضيف شباط، ذهب أخنوش في أول لقاء جمعه ببنكيران، يوم 30 أكتوبر 2016، ورفع "الفيتو" بشكل صريح في وجه حزب الاستقلال، وقال له "يلا بغيتي نشاركو في الحكومة خاص حزب الاستقلال ما يدخلش"، يقول شباط. فيتو أخنوش ضد حزب الاستقلال، كان قد تسرّب بعد فترة قصيرة من أول لقاء بين رئيس الحكومة المعين حينها، والرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار. اعتراض جرّ على أخنوش حينها هجوما قويا من جانب الجريدة الناطقة باسم حزب الميزان. يومية "العلم" حمّلت أخنوش المسؤولية السياسية عن حادث مقتل محسن فكري بمدينة الحسيمة، وما ترتب عنه من مظاهرات حاشدة، باعتباره الوصي على قطاع الصيد البحري. وتحوّلت مشاورات تشكيل الحكومة حينها إلى مواجهة مفتوحة بين أحزاب "الإدارة"، وتلك المنحدرة من الحركة الوطنية وحزب العدالة والتنمية. الحرب على حزب الاستقلال استمرت طيلة الأسابيع الموالية، حيث هاجم أخنوش شخصيا شباط في أحد لقاءاته اللاحقة ببنكيران، حيث تحدّث عن "الحرايفية ديال السياسة". فيما عبّر بنكيران صراحة "وبوضوح عن عدم استعداده للقبول بأي ابتزاز، أو التنازل عن حزب الاستقلال الذي انضم إلى التحالف الحكومي"، يقول مصدر مقرب من تلك المشاورات. مواجهة ستستمر إلى متم العام 2016، حيث جاءت تصريحات شباط حول موريتانيا لتوفّر الغطاء لمحاولات استبعاد حزب الاستقلال من التحالف الحكومي، خاصة بعد صدور بلاغ من وزارة الخارجية يهاجمه فيه. بعد حسم معركة حزب الاستقلال، جرى تكريس حزب الاتحاد الاشتراكي كخط أحمر من جانب رئيس الحكومة السابق، حين أصبح أحد مكونات التحالف الرباعي، الذي كونه أخنوش من حزبه وحزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري وحزب الاتحاد الاشتراكي. عوامل متعددة اجتمعت لتجعل التحاق حزب "الوردة" في أي حكومة يقودها بنكيران أمرا "غير ممكن". أهم تلك العوامل، حسب مصدر مطلع على تلك المشاورات، هي طرحه مسألة رئاسة مجلس النواب من خارج الأغلبية الحكومية، وانتزاعه لها في سياق استثنائي مرتبط بانضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي. "ثاني هذه العوامل إعلانه قبول المشاركة في الحكومة بشكل مشروط في البداية، وهو لا يمكن قبوله في العملية التفاوضية. لكن الأفدح من ذلك هو أن هذه المشاركة لم تعد مشروطة اليوم، ما يعني أنها لم تكن شروطا موضوعية وحقيقية، خاصة أن هذا التحول في الموقف جاء بعد خروج حزب الاستقلال من المعادلة". المصدر الذي تحدث إلى "أخبار اليوم"، قال إن بنكيران قدّم لإدريس لشكر عرضا رسميا بالمشاركة في الحكومة في لقائهما الثاني، "وهو العرض الذي لم يردّ عليه إلى اليوم، بل أصبح الدينامو المحرك لتشكيل تكتّل داخل الحكومة، ويتحدّث في بياناته عن تصحيح مسار تشكيل الحكومة، وهو ما يطرح السؤال، هل نحن بصدد حكومة يرأسها العدالة والتنمية أم الاتحاد الاشتراكي؟". بعد اتّضاح مواقف جلّ الأحزاب السياسية في مشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، واصطفاف كل من الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي بشكل واضح إلى جانب الاتحاد الدستوري، وربط الأحزاب الثلاثة لمصير انتمائها بما سيتفق حوله حزب التجمع الوطني للأحرار مع رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران؛ أعلن هذا الأخير أنه لم يعد مستعدا لأي اتصال جديد مع هذه الأحزاب، مشدّدا على أن مخاطبه الوحيد في تلك المرحلة هو رئيس حزب الأحرار عزيز أخنوش. في بداية يناير، أكملت المشاورات دورتها الكاملة بعد قرابة أربعة أشهر من الأخذ والرد، حيث عادت عقاربها إلى مرحلة انطلاق المشاورات. كل من اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي جرى مساء الثلاثاء 3 يناير، واللقاء القصير الذي جمع بين رئيس الحكومة المعين عبد الإله بنكيران، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش صباح الأربعاء الموالي، شهدا عودة المشاورات إلى مرحلة الاحتفاظ بنفس الأغلبية الحكومية السابقة قبل انتخابات 7 أكتوبر. وفي الوقت الذي كان رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، ينتظر رد أخنوش حول عرضه الأخير بالاحتفاظ بالأغلبية الحكومية السابقة، أصدر أخنوش مساء 7 يناير بلاغا جديدا يؤجل فيه موعد الحسم ويربطه بمشاورات قرر فتحها مع حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي. بعد أقل من 24 ساعة من تلك التصريحات، فجّر البلاغ المشترك بين أربعة أحزاب يقودها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، المشاورات الجارية. بنكيران، وبعد توصّله بخلاصة البلاغ المشترك الذي اتفقت الأحزاب الأربعة على إصداره، سارع إلى تحضير بلاغه الناري في ذلك الأحد 8 يناير، والذي قال فيه إنه يستخلص أن أخنوش "في وضع لا يملك معه أن يجيبني وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة. وبهذا يكون معه قد انتهى الكلام ونفس الشيء يقال عن السيد امحند العنصر، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية". موقف "اعتصم" فيه بنكيران منذ ذلك التاريخ، إلى أن تم إعفاؤه من طرف الملك منتصف مارس الماضي