مواجهة سياسية ساخنة تلك التي عرفتها أشغال لجنة مراقبة المالية العمومية بمجلس النواب، أمس، إذ دارت أساسا بين أعضاء فريق حزب العدالة والتنمية وأعضاء فريق حزب الأصالة والمعاصرة، حول مصير صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية، الذي أسندت مهمة الآمر بالصرف فيه إلى عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، في غفلة من رئيس الحكومة السابق سنة 2016، بعد نشر الجريدة الرسمية قبل أيام مرسوما ينص على إحداث صندوق التأهيل الاجتماعي، وفقا للفصل 142 من الدستور. حدثان كانا وراء هذا الجدل؛ إذ يتعلق الأول ببرمجة لجنة مراقبة المالية العمومية اجتماعا لأعضائها، من أجل دراسة توصيات أعدها مكتب اللجنة التي يترأسها إدريس الصقلي العدوي، عن فريق حزب العدالة والتنمية، تتعلق ب"تقييم تدبير صندوق التنمية القروية والمناطق الجبلية"، وتنص التوصية الثانية منها على: "توحيد الوعاء المالي لتمويل العمليات، وتجميع كل الاعتمادات المالية المتوفرة في إطار واحد، هو صندوق التأهيل الاجتماعي باعتباره الآلية الملائمة التي أنشأنها الفصل 142 من الدستور لسد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات الأساسية، والتجهيزات". أما الحدث الثاني، فيتعلق بنشر مرسوم يهم تطبيق أحكام المادة 231 من القانون التنظيمي للجهات، فيما يخص صندوق التأهيل الاجتماعي. ورغم أن مكتب لجنة مراقبة المالية العمومية سبق وأن توافق بين أعضائه على التوصيات المذكورة، إلا أن مناقشتها أمس في اجتماع للجنة شهد مواجهة سياسية، كشفت أن برلمانيي حزب العدالة والتنمية لم يهضموا بعد الطريقة التي أخذ بها وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز أخنوش، مهمة الآمر بالصرف، فيما يتعلق بصندوق التنمية القروية، والمثير للانتباه أن الذين تولوا الدفاع عن أخنوش كانوا هم برلمانيو حزب الأصالة والمعاصرة في غياب برلمانيي حزب الأحرار. عمر الفاسي، مقرر اللجنة عن فريق العدالة والتنمية، احتج بالدستور، أساسا، وقال: "مهمتنا هنا أن نعمل على تنزيل الدستور"، وبما أن الفصل 142 ينص على إحداث آلية لفائدة الجهات تُسمى صندوق التأهيل الاجتماعي، فضلا عن تأكيد "جلالة الملك على ضرورة التقائية المشاريع"، فإن "دورنا هنا هو تنزيل الدستور، والتفكير في طرق ناجعة لتحقيق الالتقائية". عمر الفاسي قدم هذا الجواب أكثر من مرة ضد اعتراضات نواب أعضاء فريق الأصالة والمعاصرة، الذين رفضوا الصيغة التي جاءت في ورقة التوصيات. رحو الهيلع، برلماني عن الفريق ذاته، أكد أكثر من مرة أنه "لا اعتراض لديّ على الكلام الذي تقولونه، لكن يجب التدقيق. ثم إن القانون التنظيمي أعطى للمالية صلاحية الأمر بالصرف لوزير الفلاحة والصيد البحري، فكيف تريدون توجيه الاعتمادات إلى صندوق لم يولد بعد". وتساءل رحو الهيلع صراحة "واش بغيتو تحيدوا الفلوس لوزير الفلاحة، وتعطيوها لوزير الداخلية؟". حكيمة فصلي، عن فريق العدالة والتنمية، اقترحت أن يتم دمج الصندوقين في صندوق واحد، وأن تخصص له كل الاعتمادات المالية، وهو الرأي الذي ردّ عليه رشيد العبدي عن فريق الأصالة والمعاصرة مرة أخرى بالقول: "نحن مع التوحيد، لكن يجب أن نتساءل عن إمكانية ذلك"، وواصل العبدي قوله "يمكننا أن نوصي بالتوحيد، لكن يجب أن نترك لوزارة الفلاحة أو الحكومة صلاحية إعداد دراسة حول كيفية التوحيد، وآثاره على النهوض بالمهام المسندة إلى الصندوق". وخلال هذا النقاش دافع نواب حزب العدالة والتنمية عن تجميع كل الاعتمادات المالية مستقبلا في صندوق التأهيل الاجتماعي، الذي نص الفصل 142 من الدستور على إحداثه لفائدة الجهات بهدف سد العجز في مجالات التنمية البشرية، والبنيات التحتية الأساسية، والتجهيزات. وفي خلفية ذلك، يظهر أن نواب فريق العدالة والتنمية حينما دافعوا في الجلسة عن توحيد الاعتمادات المالية بأن تضخ في صندوق واحد هو صندوق التأهيل الاجتماعي، إنما يسحبون البساط بهدوء من يد أخنوش مرة أخرى، خصوصا وأن المادة 230 من القانون التنظيمي للجهات تنص على أن الآمر بالصرف، فيما يخص صندوق التأهيل الاجتماعي، هو رئيس الحكومة، ويمكنه أن يفوض هذا الاختصاص مباشرة للولاة فقط. لكن نواب الأصالة والمعاصرة سعوا من جهتهم، وقد أدركوا أنهم محاصرون بالدستور من جانب، والقانون التنظيمي للجهات من جانب آخر، إلى إقحام وزارة الفلاحة من خلال الدعوة إلى التريث، والدفع نحو استدعاء وزير الفلاحة إلى اجتماع مقبل في لجنة مراقبة المالية العمومية من أجل مناقشة الموضوع، وهو الاقتراح الذي لم يعترض عليه نواب "البيجيدي"، كذلك.