تزامن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني المحتل، مع الذكرى المئوية لصدور وعد بلفور المشؤوم الذي أهدى الأرض الفلسطينية لإقامة كيان غير شرعي. وبمناسبة الذكرى المائة لهذا الوعد المشؤوم، أصدر الكاتب والباحث البريطاني "ديفيد كرونين" كتابا موسوما ب"ظل بلفور"، يعود فيه إلى نشأة المشكلة وتطور القضية الفلسطينية، مركزا بالأساس على الجرائم التي ارتكبتها بريطانيا والكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني. انطلق الكاتب، في مستهل كتابه، من نص الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية البريطاني، آنذاك، آثر جيمس بلفور إلى اللورد روتشايلد يقول فيها: "عزيزي اللورد روتشيلد: يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته: إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذا الهدف، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر. وسأكون ممتنا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علما بهذا التصريح". وبعد تحليل هذا التصريح/ الوعد، يلجأ الكاتب إلى تذكير القارئ بتاريخ القضية الفلسطينية عبر محطاتها الكبرى: الثورة العربية، النكبة، إعلان قيام دولة الكيان الصهيوني، العدوان الثلاثي، نكسة 1967، الحرب الباردة، إلخ. كما يشير المؤلف إلى مسألة أساسية يغفلها الكثير من الباحثين، وهي أن السياسة الخارجية البريطانية تجاه فلسطين لم تكترث لنزعات واتجاهات ومواقف السياسيين البريطانيين، الذين عرفوا بمعاداتهم للسامية، وفي مقدمتهم بلفور نفسه. لكنها قدمت الدعم للصهاينة من أجل إنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين. يتطرق إلى جملة من العوامل التي شجعت بريطانيا على هذا الدعم، وليس فقط مسألة أن الشعب البريطاني كان معاديا للسامية جدا، وأن العديد من أصحاب القرار البريطانيين شعروا أن اليهود لا يمكن تذويبهم واستيعابهم أبدا في مجتمعهم، بالتالي، من الأفضل دعمهم في وطن جديد. من جهة أخرى، اعتبرت الخارجية البريطانية، حسب رأي الكاتب، أن من شأن وجود بؤرة استعمارية في منطقة مهمة مثل الشرق الأوسط أن تساعد على توطيد سيطرتها على المنطقة ضد النزعات القومية العربية، في عصر انتشرت فيه العنصرية البريطانية في جميع أنحاء شبكاتها الاستعمارية. كما يكشف كرونين أن الأساليب التي استخدمها البريطانيون للسيطرة على السكان الأصليين في فلسطين، وضعت الأسس لقيام الصهاينة بتنفيذ تطهير عرقي وقمع الشعب الفلسطيني في وقت لاحق. وهناك الكثير من الكتابات التاريخية والحديثة عن دور عصابات ومنظمات مثل الهاغانا، وستيرن، وإرغون، ضد البريطانيين، ولكن الاتجاه العام للسلوك البريطاني كان دعم أنماط الاستيطان المتزايدة وعمليات الإخلاء والاستيلاء على الأراضي لصالح المستوطنين الصهاينة. ويبين الكاتب، في هذه الشهادة التي صدرت، أواخر يوليوز الماضي، بعنوان فرعي "قرن من الدعم البريطاني للصهيونية وإسرائيل"، أن المملكة المتحدة أصبحت في الواقع واحدة من أقوى الأصوات دعما للكيان الصهيوني، مشيرا إلى أن التجارة العسكرية والمصالح المالية استمرت بينهما وراء الكواليس في الغالب. إذ يقدم معلومات إضافية تبين كيف عمل البريطانيون على تهميش منظمة التحرير الفلسطينية التي ترأسها الزعيم الراحل، ياسر عرفات، ما أسفر عن الوعود الكاذبة لاتفاقات أوسلو واستمرار ضم أراضي الفلسطينيين واستيطانها ونهبها. أما بالنسبة للأحداث المعاصرة، فيسلط كرونين الضوء على الدور الغريب الذي قام به رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، ففي فترة رئاسته للحكومة البريطانية كان بلير "ملازما مخلصا" بشكل فعلي للولايات المتحدة، متبنيا السياسة الأمريكية ودعمها للاحتلال، وسياساتها حيال الشرق الأوسط بشكل عام.