خرج خالد نزار أحد الجنرالات الأقوياء السابقين في الجزائر، ليكشف معطيات جديدة حول الدور الذي ظلّ جنرالات الجارة الشرقية يلعبونه ضد محاولات رؤساء الجمهورية للتقارب مع المغرب. الجنرال المتقاعد أصدر مؤخرا الجزء الأول من كتاب مذكراته، والذي يتضمن تفاصيل المرحلة الممتدة بين سنة استقلال الجزائر، 1962، والعام 1991. الملك الراحل الحسن الثاني، يوجد في قلب هذه المذكرات، من خلال لحظات اللقاءات المباشرة التي جمعت الجنرال الجزائري بالملك الراحل. هذه اللقاءات التي جرت في عهد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بنجديد، تؤكد وقوف جنرالات المؤسسة العسكرية الجزائرية، وراء إفشال جميع محاولات التقارب وإنهاء الصراع المغربي الجزائري. الجنرال المتقاعد الذي يشارف على بلوغ سن الثمانين، كشف في كتاب مذكراته الذي نشرت بعض مضامينه مجلة "جون أفريك" في عددها الأخير، كيف قاوم الرئيس الجزائري الراحل، الشاذلي بنجديد، مخططا لجنرالاته كان يقضي بمنع المملكة من تشييد الجدار الرملي في الصحراء. هذه المنشأة الدفاعية الاستراتيجية التي كان لها دور حاسم في تغليب كفة المغرب في حربه ضد البوليساريو، أثارت حنق الجنرالات الجزائريين، منذ شروع المغرب في إقامتها نهاية السبعينيات. خالد نزار يروي كيف بادر رفقة زملائه الجنرالات، إلى إفشال التقارب الذي نجم عن وصول بن جديد إلى حكم الجزائر، مع الملك الراحل الحسن الثاني بوساطة سعودية. ذروة غضب الجنرالات الجزائريين، يسجّلها خالد نزار في العام 1983، حين جرى أول لقاء بين الحسن الثاني والشاذلي بنجديد، في الحدود الفاصلة بين البلدين. ويوضح نزار كيف أن مصدر القلق بالنسبة إلى الجنرالات، هو كونهم يعتبرون أن رئيس البلاد ليس له التمكن والمعرفة اللذان يتمتع بهما الملك الراحل، وبالتالي يخشون من استدراج هذا الأخير لرئيسهم نحو حل سياسي ينهي خلافات البلدين. بادر الجنرال خالد نزار إلى جانب الجنرال محمد التواتي، إلى توجيه مذكرة إلى الرئيس بنجديد، يقترحان عليه فيها الموافقة على مخطط لإفشال عملية بناء الجدار الرملي من طرف المغرب، والاحتياط من التقارب المفاجئ بينه وبين الملك الحسن الثاني. الجنرالان اقترحا خطة محكمة تقوم على تمكين ميليشيات البوليساريو من مجال يسمح لها بالتسلل إلى داخل التراب المغربي، وتوفير التغطية الضرورية لها كي توجه ضرباتها ضد المغرب وتمنع استمرار بناء الجدار. مخطط قال الجنرال نزار إن الرئيس السابق اعتمده في اجتماع مع جنرالاته في منطقة بشار الحدودية مع المغرب، لكنه عاد ليرفض تطبيقه بمبرر الخوف من اندلاع حرب شاملة مع المغرب. واقعة أخرى يسرد الجنرال الجزائري تفاصيلها، تعود إلى ماي 1991، حين كان الحسن الثاني في زيارة إلى الجزائر وتحديدا إلى مدينة وهران. دخل الملك الراحل في حديث مطول مع خالد نزار، وزير الدفاع حينها، والذي قدم للملك تصوره حول اتحاد المغرب العربي الذي أعلن في مراكش قبل سنتين من ذلك التاريخ. "نحن العسكريون، قلت للملك، لا نتمنى إلا أمرا واحدا، أن نقوم بحل جميع المشاكل الموجودة، وبطريقة سلمية. بعد ذلك نتمنى أن ندخل مع الجيش المغربي في تعاون يُفضي إلى خلق شروط دفاع مشترك". مجاملات ردّ عليها الملك الراحل بشكل فاجأ محدثه، حيث قال له إن كنتم تنظرون إلى اتحاد المغرب العربي بهذه الطريقة، فابعثوا من الغد كتيبة جزائرية لتستقر في الرباط". مفاجأة أكبر وأكثر إحراجا تلقاها الجنرال الجزائري من رئيسه، حيث طلب منه الشاذلي بنجديد في نهاية حفل العشاء الذي أقيم على شرف الملك، أن يأخذ الملك في جولة إلى القاعدة العسكرية البحرية "مرس الكبير". أمر رفض خالد نزار الامتثال له، حيث غادر اللقاء نحو الجزائر العاصمة، معتبرا أنه لن يقوم بإحباط عزيمة ضباطه بفتح قواعده العسكرية أمام ملك المغرب وضباطه. ردّ لم ينل من عزيمة الملك الراحل الحسن الثاني، حيث فوجئ خالد نزار في اليوم الموالي بوفد رسمي مغربي يقوده الكاتب العامة لإدارة الدفاع الوطني وبعض الضباط، موجهين إليه دعوة ملكية رسمية إلى زيارة المغرب. دعوة رفض خالد نزار تلبيتها، إلى غاية العام 1993، حين سينتقل شخصيا إلى الرباط، للقاء الملك الراحل في إطار إجراءات تسليم المملكة أحد "الإرهابيين" الفارين من الجزائر المندفعة حينها نحو عشريتها الدامية، بعد انقلاب الجنرالات على الانتخابات التي منحت الفوز للإسلاميين.