قرار حكومة عبد الإله بنكيران بوقف استيراد كل انواع النفايات، وتكليف وزارة الداخلي بالتحقيق في صفقة "النفايات الإيطالية"، التي أثارت كثيرا من الجدل، يطفو معه إلى سطح الوضوح والتجلي استفهام: "من له المصلحة في استيراد ازبال الطالبيان لحرقها بالمغرب؟". بعملية بسيطة سيفهم المتبعون بيسر ما خفي من ما بات بقضية "زبل الطاليان"، فقبل سنوات اهتدى لوبي معامل الإسمنت إلى وقود بديل يعتمد على حرق الأزبال، فبدأ تدريجيا في الاستغناء عن الوقود التقليدي كباقي نظرائهم في العالم. ومرت اكثر من عشر سنين ولوبي الوقود لم يتضرر، نظرا لاعتماده على اقتصاد الريع واموال صندوق المقاصة بالدرجة الاولى. لكن بعد تصفية هذا الصندوق في إطار إصلاحات كبرى قادتها الحكومة الحالية، حيث تم رفع الدعم عن المحروقات، بدأت "امبراطوريات الريع" تتساقط بدءا ب"لاسامير"، التي افلست بعد مسلسل وُصف ب"المكشوف"، حاولت فيه ابتزاز الحكومة ففشلت. والآن بعد تحرير القطاع تراجعت ارباح "لوبي الوقود" بشكل غير متوقع، حتى ان بعض المحطات بدأت في تغيير سياستها من تعبئة خزانات العربات بالوقود فقط، إلى الاعتماد على توفير مطاعم والعاب ترفيهية بالمحطات من أجل تغطية مصاريفها، فقامت باستثمارات كبيرة في هدا المجال، وهو ما يسهل ملاحظته على عموم التراب الوطني. لقد ظل هذا "الاخطبوط الفاسد" خلال هذه المدة ينتظر الفرصة للانقضاض على "لوبي صناعة الاسمنت" وعدة قطاعات أخرى تستعمل الوقود البديل "الزبل"، فكانت فرصة "كوب22″ سانحة لتفجير هذه القضية وضرب عصفورين بحجر واحد، اولهما، لوبي الاسمنت، الذي استغنى عن 60 بالمائة من الوقود لصالح الازبال، وثانيهما، بنكيران الذي كان سبب كل مشاكل لوبي الوقود بتحريره للقطاع. تلك إذا، معركة بين لوبين اقتصاديين فاسدين، يتمنى شرفاء هذا الوطن أن لا يكون البعض حجر وقود لها، فالأول اغتنى على حساب أموال الشعب، والثاني على حساب صحته وبيئته. فمجموعة "أكوا" مثلا، التي يمتلكها الوزير عزيز أخنوش، فازت بعقد الاختيار لتدبير محطة المحروقات بميناء الجرف الأصفر لدى الوكالة الوطنية للموانئ، وكان ألها هو معمل الإسمنت فضاع بسبب "أزبال الطاليان". ولعل ما سيكشفه التحقيق في هذه الصفقة سيكون أعظم، خصوا وأنه سيبحث هل شركات الإسمنت المغربية وحدها التي تستورد النفايات البلاستكية لأغراض صناعية أم ان هناك شركات إسمنت في الدول الأوروبية تستورد أنواعا أخرى من النفايات؟ وهل شركات الإسمنت في الدول الأوروبية تستعمل هذا النوع من النفايات؟ وإذا كان هذا صحيحا، فماهي الشروط والمعايير الإحترازية التي يتم وفقها حرق هذه النفايات حتى لا تتأثر البيئة بالغازات المنبعثة منها؟ وهل هذه الشروط متوفرة في المغرب؟. والمثير للتساؤل والشكوك أيضا في صفقة "أزبال الطاليان"، هو ما كشف عنه أحمد العراقي، الوزير السابق في حكومة عبد الرحمان اليوسفي، الذي قال إن شركات الإسمنت سبق وان اقترحت على الحكومة في عهده ان تستعمل النفايات البلاستكية، لكن الحكومة رفضت لأنها كانت تخشى تسرب المواد السامة إلى الهواء والتربة في محيط المعامل . واكد العراقي أن استعمال النفايات في افران الإسمنت عملية مربحة لشركات الإسمنت لكنها جريمة في حق البيئة، واصفا ادعاء مهني القطاع ووزارة البيئة ان استعمال هذه النفايات يأتي في إطار تثمينها، ب"العبث وسب لذكاء المغاربة ومناورة غير مقبولة" . يبدو إذا، أن حكومة عبد الإله بنكيران، قد اتخذت الخطوة السليمة، في انتظار ظهور نتائج التحقيق، التي قد تُسقط أوراق توت عن فضيحة جديدة، قد يكون تدخل فيها أكثر من متدخل.