لعل أقل ما يمكن أن يوصف به مستوى قطاع التربية والتعليم بالمغرب – وطني الغالي – هو الهزالة وعشوائية التسيير وضحالة التدبير واللاحكامة، فكل المتتبعين للشأن التربوي والتعليمي بالمغرب من – الأحزاب، الإعلام، الأساتذة الممارسون، التلاميذ وأولياء أمورهم .. – يجمعون إجماعا تاما على تردي مستوى التربية والتعليم ورداءة خدماته، وهذا وضع يزج بغالبية الشعب المغلوب على أمره والمظلوم؛ وخاصة فئاته الفقيرة، في مستنقع الجهل ووحل الأمية المقيتة بمحتلف تجلياتها التي تظهر واضحة وضوح الشمس في كبد السماء؛ في الواقع اليومي المعيش، فضياع حق التربة والتعليم وفق شروط وظروف جيدة يعني خسارة التنمية على جميع الأصعدة التي ما فتئ يتغنى بها النظام السياسي في كل خطبه ورسائله للداخل والخارج. إن ضياع هذا الحق يقهقِر مكانة الشعب بين الشعوب الأخرى على اعتبار أن العلم هو السبيل الوحيد الذي يجب أن تعي الدولة مؤسساتُها المعنية بالموضوع تمام الوعي دورَه وفعاليته في انطلاق المجتمع نحو رقي زاهر.. فمنذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، أي بعد تخلص المغرب من الاستعمار الملموس الغاشم – على اعتبار ان الاستعمار مستمر بشكل محسوس – وهو يتخبط في مشاكل جمة، ومن حين لآخر، يجتمع أهل القرار الوصي على القطاع ويطلعون من الرباط على أبناء الشعب القصي المقصي المنسي بسياسة جديدة عمياء، تفرض على أبناء الشعب فرضا بعد نفخ إعلامي مهول وتسخير لكل وسائل الإشهار والإبهار؛ ليظهر فيما بعد، بعد بضع سنوات أو اكثر بقليل، أن الخطة / السياسة فشلت؛ وأننا أخطأنا السكة مرة أخرى – وبما أنهم على علم أن الفقير مقهور مسامح وينسى- فالخطة كانت مجرد ضحك على الذقون قصد تبشير الشعب وإلهائه بسياسات الإصلاح المتتالية حتى يكف عن الكفاح، ولا يصم آذان الدولة كل يوم بالصراخ، ينسى كل ما يخالجه وكل هم يشغله أو يعبر عنه بالصمت لا بالنباح. تلكم هي سياسة الإصلاح وخططه واستراتيجيته؟! إن إشكالية قطاع التربية والتعليم ووضعيته التي وصلت إلى درجة الحضيض، وبإجماع جميع التقارير التي تصدر من حين لآخر؛ ومن مصادر متعددة؛ بالإضافة إلى شهادات خبراء القطاع بالداخل قبل الخارج وكل الممارسين أيضا عدا أولئك المسؤولين الذين يكافحون لإخفاء الشمس بالغربال دون ملل ؛ والسبب يكمن في كون وظيفتهم الأساسية تنحصر في ذلك لا اكثر. إن كل هذه الاوضاع المتردية التي يتخبط فيها القطاع تعزى ودون شك إلى غياب الإرادة الجادة لدى الدولة / النظام في تمتيع أبناء الشعب على قدم المساواة بحقهم في التربية والتعليم، والغياب نرمي به هاهنا إلى أن النظام السياسي بالمغرب يعمد بكل وسائله الخسيسة ومكره الخداع إلى غرز مخالبه في جسم التربية والتعليم بلطف ناعم، ذلك لأنه يعلم علم اليقين أن الانظمة المستبدة الجائرة عبر التاريخ بادت وسقطت بسبب تعلم وتنور أبنائها وتربيتهم الحسنة وطهر عقولهم وحصافة فكرهم، ومنه ارتفاع منسوب وعيهم بواجباتهم وحقوقهم ، فلم يعودوا قطعانا كما نكلت بهم أنظمتهم الاستبدادية بجثومها على رؤوسهم سنين طويلة، بل انتفضوا انتفاضات خسفتهم وزلزلتهم، وبذلك نقلوا أنفسهم من غياهب الظلم وكهوف الظلام إلى نور العلم وعمق الفهم.