أغوص في الحديث مباشرة بدون مقدمات لما اشمأززت كثيرا من مفاهيم قد تحولت من سومها الكوني إلى دناءتها الطينية، كيف لا و ما نشاهده اليوم من غلو في كافة المراتب باسم الحرية الزائفة هاته التي يروج لها البعض ، و قد صدق أحمد شوقي حين قال : أليست للحرية يدٌ حمراء ؟ ، و معرض حديثي هنا سأتماهى معه سياسيا و سيصبح النقاش عالة على العقل كما أراهو في جزءٍ منه عصيانٌ عليه .. ما نلاحظه اليوم مجتمعيا يحكي واقعا مُرا تتحكم فيه الثقافة السائدة التي يروج لها الآخر باسم المصلحة أو لنقل في شكل استغنامٍ للمجتمع ، كيف لا و ما نشاهده اليوم في بلدان الخريف العربي من نكران للحرية باسم حريةٍ مضادة يدّعيها الطرف النقيض باسم الحرية اللاوهمية ، و هذاخير دليل على ما تعيشه المفاهيم الكونية من ذل و إهانة في معناها المجازي و أظن أنه لو كان لها لسانٌ ناطقلتبرأت ممن يستعبدونها من أجل خلق وهم باسمها ، يحتكرون طلب الشعوب للحرية و يقْبرون حياتهم و الكرامة التي يُنادون بها . إن ما كانت تصنعه الدول الغربية و ما زالت من ترويج للقيم الكونية باسم الديموقراطية و غيرها من المفاهيم و الدفاع عن حقوق الإنسان و الحيوان و احتكار للفيتو في مجلس الرعب كل هذا على سبيل المثال لا الحصر ، و في مقابل هذا كله نهبٌلمقدرات الشعوب باسم القضاء على الإرهاب أو باسم القوة عندما كانت فلسفة الاستعمار مسيطرة بقوة على عقلية الدول الرأسمالية و غيرها من الأفاعيل آخرها وصف دولةالمغرب بمصطلح مشبوهٍ فيه ، و الحق أن يقال في أن سبب الأزمة الديبلوماسية الثانية الحاصلة توًا قد تمت بين فحل المغرب و العشيقة فرنسا و هذه هي المعادلة الصائبةالتي يجب أن يتفهمها المستعمر الثقافي الفرنسي ، كل هذا الذي ذكرته من التناقض الذي يعيشه الآخر كان باسم الحرية المقلوبة أو شيء آخر قريبا منها ، و ما فعلته قبلُ من وصفٍ للعشيقة كان أيضا باسم الحرية التي أطلقت عنانها في مقالي هذا متجاوزا لحدود الحكمة العقلانية الرصينة التي تتشبث بالمبادئ و لا تتوانى عن تغيير الأقنعة على فعل بعضهم و سنعرج عليهم بعدُ. إذا ما حلقنا قليلا لنطلع على ثقافة المجتمع التدينية لنرى كيف أن فلسفة التدين استبيحت باسم الحرية أيضا أو لنقل النقاش حول الدين و محاولة فهمه بتعبير بسيط يستوعبه الكل ، نظرنا إلى هذا كله فوجدنا أن حياتنا الأصيلة المستمدة من التاريخ و الجذور انقلبت عكسا لنرى أنماطا من التدين و الفهم للدين ، أنماطا أفغانيا و أخرى هيبيسية و غيرُها كثير ... لكن ما أود أن أركز عليه هنا حول ما يَصطلح عليه العامة باسم السلفيين حيث أن هذه الكتلة استباحت الحرية هي أيضا " خَالِفْ تُعْرَفْ " و هي تبرمج لنفسها نهج سياسة التكفير و اللعن و نكران الآخر باسم الدين و فهمه الأعوج له و الدين منها براء ، كل هذه لعُطلٍ في عقولهم قد أصابهم و لا حول و لا وقوة إلا بالله ، حتى وصل الأمر بهم في حماستهم الجهادية الزائدة إلى الدفع بشبابٍ لا رَصيد لهم في فهم الدين إلا الغبار .. للجهاد في سوريا و الشيشان و غيرها من الأماكن حتى نصل في نتاج هذا لكي نسمع فرض جماعة" داعش " للجزية في منطقة سيطرو عليها في أرض الشام فيها مسلمون و ذلك باسم الدين و الحريةالمناقضة للأصل و الفهم الصحيح الذي أتى به الإسلام ، و الإشكال العويص في كل هذا أن التنميط الذي يخضعون له إضافة إلى فئات ٌ كثيرة في المجتمع بما فيهابعض الحركات الإسلامية و اليساريين أيضا يعطل العقل لديهم و يعترض على كل فكرة بُرمجوا عليها كل ذلك باستقبال سطحي للأفكار من فقهاءهم المساكين الذين نظّروا لهم . إذا ما عدنا لنستقصي أخبار حوادث الصحافة و الإعلام و كذا بعض السياسيين اللاوطنيين لنجد أن الحرية الزائفة التي ينتصرون لها لحقهم في الدفاع عن أنفسهم باسم المصلحة و غيرها من التعابير و هم في تناقض مبدئي مع المفاهيم المركزية التي عليها أقاموا أفكارهم أو احزابهم للأسف ، لنجد أن أبسط اختلاف سياسي قد يصل بهم إلى محاولات متكررة لنسف الإصلاح علانية باستخدام كافة الأساليب حتى لو وصلت إلى السب و القذف و غير ذلك من الانحطاط الأخلاقي القيمي و ما يفعله شباط عفا الله عنه من أساليب قردية في السياسة و البهرجة الحميرية أبرز دليل و أنا أقول لو شهد الزعيم علال الفاسي هذا الهرم الكبير لما يفعله شباط من ويلات لانتحر علانية ، و كذا ما يفعله لشكر هذا الذي مسح تاريخ اليسار بجرة قلم لانحطاطه الكلي و سيغرق قريبا هو و حزيه. كل هذا الذي ذكرت كان بسبب حريةٍ زائفة لنسف الآخر و انتقاده نقدا هداما في تناقض تام مع المبادئ و الوطنية التي تجمع الكل تحت سقف دولة المملكة المغربية . إضافةٌ حقيرة هنا و التي تتعلق بما نشاهده من تطاول باسم القانون في احتكار قوة الرأي الزائفة و باسم الحرية كذلك المخالفة لمبادئ الرأي و الرأي الآخر لنشاهد ان الذي كنا ندافع عنه بالأمس يرفع دعاوى لا اخلاقية على أناس فُتح لهم المجال باسم القانون للحديث و التعبير إذ بهم يتابعوا من طرف الذي كانوا يدافعون عنه بأقلامهم و احتجاجاتهم ، و لكن التنميط و التقولب الذي يخضع له هؤلاء يستبيحون الحرية السليمة ليتناقضون معها و يحرقون الأخضر و اليابس الكل معا ، ليرتضوا لأنفسهم و الفساد معهم الاستعلاء المنبطح و تقزيم الآخر حتى لو تم ذلك بشكل متناقض مع ما كانوا يعملون عليه في سابق عهدهم . إشارة أخيرة متعلقة بالجامعة المغربية أيضا و التي يفتعل البعض فيها أفاعيل باسم الحرية أيضا ، شعارهم في ذلك المكر و الخديعة يسيطرون على إطار يستوعب الكل لكنهم يريدون لأنفسهم الفردانية باسم الشرعية الزائفةليكسرون المعارك باسم الانتخابات الزائفة التي أنكرها عليهم التاريخ ، لكن عقولهم المبرمجة أيضا و المنمطة تعطي لهم الإشارة الخضراء لاستباحة الحرية في ذلك للسطو على نضالات الطلاب باسم الحوار خارج إطار المعروف و الأصل أن ذلك ينبثق من داخل المعارك النقابية باختيار من الطلاب ، لكنهم يقفزون على الطلاب و يحتقرونهم من أجل الترويج لمشروع بلغ السقف و لم يجد مخرجا للصعود و يصل به الأمر لضرب رؤوسهم أعلى السقف ، لكن الحقيقة المرة التي ستنتظرهم أن الدم الذي يسيل من رؤوسهم سيؤدي في نهاية المطاف إلى نزيف ينتهي بهم إلى الموت . صغت كل هذا و أنا متأكد أنها مقاربة تحاول أن تجانب الصواب تتمرد على العقل و الفهم العقلاني للأمور بتحليل منطقي رصين و هذا ما لم أفعله و انتهجت السياسة سبيلا في نقاش دائري يطوف هنا و هناك ، إضافة إلى كل هذا ، الحرية التي قمت بالترويج لها أعتبرها حرية شعبية تستوعب الكل و تتناقض مع الحرية كقيمة إسلامية كونية و يمكن أن أكون أنا الآخر قد تناقضت معها و هذا مما لا عيب فيه لأن السياسة تبيح للمصلحة أن تسطو على المبادئ في كثير من الأحيان ، و الواجب في هذا أن يعاد النظر في هاته المسالك ، و الصراحة المرة أن هناك الكثير من الاطراف المحافظة على المبادئ واللامتناقضة مع الأصل و تسعى إلى مصاحبة الحقيقة في أبسط الأمور المتداولة .. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون .. و الحمد لله رب العالمين .. محمد ابن ادريس العلمي طالب باحث طنجة