لاشك أن الحوار هو الأسلوب الديبلوماسي الأمثل لإدارة حل الاشكاليات أو اختلاف وجهات النظر في الرؤى السياسية أو الأجندات المتعددة للدول، وكثيراً ما أثبت التاريخ أن إدارة الأزمات الديبلوماسية التي تتفجر بين حين وآخر في مختلف بقاع العالم، وبالذات في مجتمعاتنا، هي من صنع فورة إبراز ذات الإنسان عقيدته ،لغته ،قوميته ، مقابل التنقيص من ثقافة الاخر أو إقصاءه، ومن شرارة جمرة رؤى فردية،، تشتعل نيران العلاقة بين الدول، ومن هنا يصح لنا ان نتحدث عن دور الديبلوماسي في انتقاء آليات اللياقة الأدبية في الحوار الايجابي المحترم لحصانة وسيادة الدول. فهل يمكن للديبلوماسي أن يتقلد منصبا يمثل فيه علاقات دولية ،وهو يضرب كل القواعد الدبلوماسية المتعارف عليها ؟! ولما تزامنت التصريحات مع الزيارة الملكية لدول إفريقيا الفرنكفونية، هل كانت من باب الصدفة ؟ هل تقبل الخارجية الفرنسية بهكذا سلوك ، في حق بلد إن كان لحد أن يعرف مدى حب أهل بلده لصون كرامة سيادة ترابه بدمائهم ؟ , فالديبلوماسي الفرنسي على فرضية تصريحه إن كان حقيقة، الأولى أن يعرف، لأنه درس جيدا تاريخ نضال شرفاء المغرب والمقاومة في الدفاع عن حرمة بلادهم وعشيقتهم المحبوبة المغرب. وأعتز أن أكون ابنة لأب وأم مقاومين عشاق للمغرب ، دافعا عن عرض أرضهما بحمل سيارة من الاسلحة،ليلة عرسهما وكان يمكن أن يلطخ ردائهم الابيض في اي لحظة بدماء خاترة محبة في المعشوقة ارضهما المغرب،ودفاعا عن حرية كرامتها وحماية سيادتها ، فإن كان الممثل الإسباني خابيير بارديم، صاحب فيلم"لا دولة للرجال القدماء"يروج لرسائل مسمومة ضد المغرب، وينقل تصريحات على لسان سفير باريس في واشنطن، برواية غير متبثة السند ولا المتن ، قائلا أن المغرب هي "العشيقة أو العاهرة، التي تضطر فرنسا إلى مضاجعتها، وإلى الدفاع عنها!!!! فإن أساتذة الديبلوماسية الخارجية عليهم أن يميزوا بين ،واقع استقلالية القضاء ببلدانهم في اطار الدولة ،وبين التصريحات الفردية الفوضوية المنتهكة لضوابط اخلاقية وفق بنود تشريعات العلاقات الدولية، ويهيبوا بتلاميذتهم من السفراء المبعوث بهم للدول،مراجعة دروسهم في أدبيات انتقاء آليات الحوار الايجابي ،ومراعاة البعد الانساني الراقي في احترام سيادة الدول، مع الترفع عن لغة السب والشتم والاهانة في حق سيادة شعب بكامله. ومن هنا يصح لنا ان التساؤل عن مستقبل الديبلوماسية المغربية،في مراعاة موازنات المصالح ، والبحث عن بدائل تبعد ديبلوماسيتنا عن بؤر تراكمات التصنيفات المحركة للرد والرد المضاد، أظن أنه قد آن الآوان للخارجية المغربية ،بعيدا عن حدث الانفعال المرحلي ، أن تؤهل الديبلوماسيين الجدد، للعب أدوار طلائعية في العلاقات السياسية والاقتصادية والاعلامية والثقافية للدول التي يمثلون المغرب فيها،وهي أدوار تكاد تكون حاضرة،ولكنها ليست استباقية بأبعاد استشرافية مستقبلية ، لتعبئة المحيط الذي تمثلنا فيه بمناهج وآليات حديثة في موازنات أبعاد العلاقات الدولية المنتجة والمثمرة، الطرق الكلاسيكية في تمثيلية بلد ،كالمغرب له تاريخ ممتد الجذور في تبني قضايا السلم والامن العالمي، وتحجيم مكانته التاريخية والحاضرة، باحتفالات قد تركز على يوم عيد وطني تستضيف فيه شخصيات البلد، فلا هذه التمثيلية الديبلوماسية مجدية ، ولاسفراء التقاعد المريح ،و الفتور المبادراتي في جلب مشاريع تنموية ثقافية اقتصادية، قد ينجحون في تقديم وتدويل الوجه الاصلاحي الجديد للمغرب، مغرب الغد الذي يحتاج اليوم خبراء في سياسة حسن معادلة توازن مصالحه في سوق المنافسات العالمية . بعيدا عن تصريحات فلان أو علان ...!!!! تصريحات شاء من كان ،لن تعكر صفو فرحتنا بنتاج الديبلوماسية الملكية الرشيدة ، ولن يشغلنا اليوم، فيلم ممثل إسباني، ولامسرحية فرنسي، ولا حتى مجموعة ديبلوماسيين ،ضيعوا دروسهم التي تلقنوها في مناهج تعليمهم لسياسية العلاقات الدولية !!!! فالمرحلة هي مرحلة مغرب الاصلاحات ، مغرب تنتظره لحظة عناق قوي مع حبيبته ومعشوقته المرغوب فيها مغرب التنمية، وسيقطع من أجل الدفاع عن حبه لها ،تحديات كبرى للحفاظ على موقعه الجيوسياسي مستقبلا في افريقيا وآسيا والعالم في ظل تقلبات سياسية يعرفها المحيط الاقليمي والدولي. ليس لدينا الوقت لنضيعه في الحديث عن لغة سوق النخاسة ،وتشبيه العلاقة مع دولة طالما احترمت ثقافة ولغة من يسميها اليوم بعشيقة غير مرغوب فيها، لأن المرحلة مرحلة المغرب بكل المقاييس، قد تصطف جوقة الطرب الفلكلوري بأصوات وألحان غير متناغمة في طريق عبوره نحو ضفة التنمية الكبرى. لكن في النهاية قد أثبت المغرب إرادته القوية في المضي قدما نحو فتح أبواب التحديات ، وأثبت استثنائه كدولة مستقرة عازمة على ركوب قطار التنمية، وتذليل صعاب الانتقال نحو الديموقراطية التي يطمح المغاربة تحقيقها على أرض الواقع. نعم لدرس السياسة الخارجية المغربية، برقي قيمها الانسانية، باستيعابها لعمق التحديات التي تنتظر المغرب في استحقاقاته الدولية المستقبلية، فلم تنتظر مبادرات ولا تماطلات توقيعات الاتفاقيات الحكومية ولا البرلمانية المشتركة، وإنما عزمت هندسة أبعاد المصالح الاستراتيجية لبلادنا بحزم يعيد للمغرب دوره الفاعل في القارة الافريقية. باعتباره نقطة وصل استراتيجي ومفتاح الأسواق الآسيوية والأوروبية لإفريقيا. نعم للدرس المغربي في أبعاد الديبلوماسية السلمية الدينية والروحية ، بإصرار رؤياه الاعتدالية والوسطية ،على تأطير وتكوين عدد كبير من الائمة في الدول الافريقية، وتعويض سياسة العنف والتدخلات العسكرية،بسياسة الأمن الروحي، المبني على منهج السلم الاجتماعي والأمن الفكري.. نعم للدرس المغربي في التميز الديبلوماسي، بالسعي الحكيم نحو مقعده الحقيقي كبلد إفريقي مؤهل للعب أدوار طلائعية في قطاعات الاستثمار،التي ستحرز نموا منتظما على صعيد القارة الافريقية ، مفتاح مضاربات الاستثمار الاسيوي والاوربي. نعم لرفع أسهم بورصة بلادنا التي أضحت تشكل إحدى أهم البورصات في افريقيا إلى جانب كل من نظيراتها في جنوب افريقيا . نعم للدرس الديبلوماسي بإصرار المغرب على البعد الانساني في علاقاته الدولية ، والإقدام بخطى ثابتة على تسوية ملف هجرة الافارقة الى المغرب والى الدول الاوروبية عبر الاراضي المغربية وتسوية أوضاع إقامتهم، لضمان حقهم في العمل كالمغاربة بدون قيد ولا شرط. أظن أن المرحلة تقتضي منا الفرح بما أقدم عليه بلدنا عليه من إنجازات، بعقلية حكيمة ، وروح متفائلة ببشائر الخير المستقبلي لوطننا العزيز. فرحة تتطلب إعادة تزيين بيتنا الديبلوماسي ، بحقائق ورد تحمل عطر الوطن والمواطنة ،ونسيم أعياد حسن التواصل ، وتمثيل المغرب بدبلوماسية وازنة ،عمادها سفراء معرفة ،واقتصاد، وسياسة ،وثقافة، وفن ، وشيم أخلاق و كرم مغربي أصيل، سفراء يحملون قبل الحقائب الديبلوماسية، هموم تحقيق مشروع تنمية مغرب الشموخ الحضاري، مغرب الارث الثقافي، مغرب الموقع الاستراتيجي والسلم المجتمعي ،الضامن لسلامة الاستثمار الاجنبي، سفراء يحملون مشعل روح الاستنفار الذاتي ، والحضور الوازن في كافة الملتقيات والمحافل والمنابر الاعلامية، لبناء جسر العبور نحو أرض المغرب، عشيقة كل المغاربة ، ومحبوبة كل من زارها بقلب سليم، لأنها بلد تخترق بدفئ أهلها ،قلوب المسالمين من ضيوفها، فتحسن وفادتهم، وتعتني بإكرامهم، وتحترم خصوصياتهم، وتراعي عدم الإساءة لهم . هذه هي أرض المغرب وهي تخط طريق مستقبلها نحو أرض رحب بها عشاقها الأفارقة مرحبين مهللين : ادخلوها أيها الأحبة المغاربة بسلام آمنين .... د. مريم آيت أحمد أستاذة التعليم العالي رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية