أغلقت نقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نهاية الأسبوع الماضي قوسا ظل مفتوحا لمدة سنة كاملة، بعد تأجيل مؤتمرها بسبب انتخابات المأجورين وانتخابات المستشارين.قرار تأجيل المؤتمر لم يتخذه المكتب الوطني للنقابة، و لا المجلس الوطني، بل اتخذ في مؤتمر وطني استثنائي، وبالفعل فنتائج المأجورين و المستشارين أكدت أن هذا القرار كان صائبا، حيث أنتقل الاتحاد من نقابة بدون تمثيلية إلى ثاني قوة نقابية في المغرب. لعل أبرز ما مميز هذا المؤتمر هو تعديل القانونين الأساسي والداخلي للاتحاد. ولكن ليس من أجل تمكين الأستاذ محمد يتيم من ولاية ثالثة، رغم ما أنفقه الرجل من مال وجهد طيلة العشرة سنوات الماضية و قاد الاتحاد خلالها في طريق محفوف بالمخاطر حتى وصل لما وصل إليه اليوم، بل لملائمة هذين القانوني مع تطور النقابة ونموها، حيث أصبحت تضم اليوم أكثر من 56 نقابة قطاعية. هذا الدرس الديمقراطي في بيئة نقابية مأزومة وهذا النجاح الكبير لمؤتمر النقابة الوحيدة التي يخرج أمينها العام من صناديق الاقتراع،كان ينبغي أن يصفق له طويلا، و أن تخصص له الافتتاحيات تنويها وتقريعا. تنويها بالديمقراطية الداخلية للاتحاد و تقريعا للنقابات التي أصبح الكرسي فيها يورث. لكن في هذا الزمن الذي يصدق فيه الكاذب و يكذب فيه الصادق، لا يمكن أن يمر هذا النجاح بدون تشويش حتى لو وصل الأمر حد التناقض على صدر الجريدة الواحدة، فالمرحلة جد دقيقة والخطة الآن هي التفجير من الداخل بعدما عجزت كل محاولات الحصار. و هنا لا بد أن أذكر كيف حاول حزب التحكم الانقضاض على ال"UNTM" في 2010، مسخرا محاميه للدفاع عن الحاج المعطي، الذي لم يتقبل نتائج المؤتمر الخامس للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد و أراد أن يعيد خلط الأوراق وطعن حتى في نتائج الاتحاد، في تناقض صارخ مع ما صرح به هو نفسه بعد فوز يتيم بالكتابة العامة. هذه المحاولة لم يكن الداعي لها هو انتزاع النقابة من براثن حزب العدالة و التنمية، فهؤلاء هم أول من يعلم بأن الاتحاد مستقل في قراراته عن "المصباح" و أن الذي يجمع بينه و بين ال"بيجيدي" هو الشراكة الإستراتيجية، ولكن الدافع وراء محاولة السطو تلك كانت بهدف وأد قوة نقابية صاعدة ظلت عصية على الهضم. غير أنه بقدر ما تسرنا الأجواء التي مر فيها مؤتمر الاتحاد بقدر ما يؤسفنا الوضع النقابي العام ببلادنا، حيث تحولت النقابات إلى أدوات في يد قوى التحكم تحركها وقتما شاءت في معركتها ضد الإصلاح. و لا أدل على ذلك أكثر من نزول هذه النقابات في هذا الوقت بالذات، وعلى بعد أشهر من الانتخابات التشريعية، إلى الشارع للتشويش على الحكومة و ليس من أجل تحصين المكتسبات.و شخصيا أعتقد أن هذه النقابات تمنح بنكيران هدية ثمينة و مبررا أكبر لمباشرة الإصلاح كلما دعت إلى خطوة نضالية، لكونها تكشف له يوما عن يوم عن عورتها وعن ضعفها وعدم قدرتها على الحشد لإجبار الحكومة على العودة إلى طاولة الحوار رغم أن منطق الأرقام يجب أن يصبح متجاوزا في دولة تقول عن نفسها أنها سائرة في طريق الدمقرطة. لفهم هذا الهزال الذي أصاب العمل النقابي في بلادنا لا بد من العودة قليلا إلى الوراء، و بالضبط إلى شروع الحكومة في الاقتطاع عن أيام الإضراب، فكلنا يتذكر كيف ابتلعت النقابات ألسنتها عندما كشف رئيس الحكومة أن الاقتطاع عن الإضراب كان مطلبا نقابيا.وهو مطلب لم يكن الدافع وراءه هو ابتكار أساليب نضالية أخرى أو تحول في العقلية تجاه مطالب الشغيلة و العمل النقابي، بل كان لحماية هذه النقابات الكلاسيكية نفسها من الانقراض إثر تفريخ نقابات مجهرية كانت تتغذى على المشاكل الفئوية التي تتخبط فيها بعض القطاعات، فأصبحت نسبة الاستجابة للإضراب خيالية أيا كانت النقابة الداعية له، الأمر الذي كان سيؤدي لولا الاقتطاع إلى فقدان تلك النقابات لبعض الامتيازات التي كانت تحصل عليها من تحت طاولة الحوار الاجتماعي في عهد حكومات "الكراكيز". هذه النقابات، التي يتعايش داخلها "النضال والاختلال"، والتي غاضها إصلاح بنكيران للمقاصة و التقاعد هي نفسها النقابات التي تسير التعاضديات، وهي نفسها المسؤولة عن الفضائح التي تعيشها هذه التعاضديات، فكيف لمن هو مسؤول عن أزمة التعاضد في بلادنا أن يحتج ضد من يريد إصلاح أنظمة التقاعد المهددة بالإفلاس؟ بنكيران ماض في إصلاحاته وهو مطمئن على شعبيته، كما أكدت ذلك انتخابات 4 شتنبر، أما النقابات فمحتاجة اليوم إلى نقد ذاتي أولا ، ثم الجلوس إلى بعضها بعضا ثانيا و بدون مكبرات صوت لغربلة مطالبها و تحمل مسؤوليتها في الدفاع عن مصالح الشغيلة فقط، قبل الجلوس على طاولة الحوار مع الحكومة. وختاما أهمس في أذن القيادة الجديدة للاتحاد وأقول بأن عدم المشاركة في تنسيق نقابي تحركه قوى تنشط في الظلام قرار حكيم ومنطق عدم وضع بيض الاتحاد "مع البيض الفاسد" منطق سليم، غير أن السكوت عن خطة الحكومة لإصلاح التقاعد بالشكل الذي طرحت به و تصفية المقاصة دون أن ينعكس ذلك على الطبقة الشغيلة بشكل مباشر واستمرار انتهاك حقوق العمال تنصل من المسؤولية تجاه من وضعوا ثقتهم في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وصوتوا له.هذه الثقة لا تعني أبدا تأييدا لسياسة الحكومة التي يقودها العدالة والتنمية، بل هذه الثقة نابعة من يقين هؤلاء باستقلالية قرار الاتحاد عن أي جهة، بما في ذلك حزب العدالة و التنمية.