قبل أن يصدر أي عاقل حكما أو يسجل موقفا حيال خبر استجد أو حادث وقع، و يأرز إلى سوء الظن و اتهام الطرف الآخر بتهم جاهزة، لابد من وقفة تأني و اخذ فرصة كافية للتفكير . فما كشف عنه العلمانيون المغاربة ، و أكدته منابرهم الإعلامية من المطالبة بتغيير أحكام الإرث ،و التعدد، و إباحة الإجهاض،... فجر نقاشا واسعا حول مخالفة أحكام الإسلام - الدين الرسمي للبلد-. وقد طار العلمانيون فرحا بهذا الخبر الذي اعتبروه سعيدا و أكدوا أن هذا القرار كان مطلبا لهم على الدوام. و لم يكتفوا بذلك فحسب بل مارسوا تعتيما إعلاميا خطيرا و عمدوا كعادتهم إلى ممارسة الديكتاتورية الإعلامية و الإرهاب الفكري، و إقصاء كل الأصوات المخالفة الأخرى. و منه نفهم أن الصراع حول هذا الملف الخطير ليس صراع مساواة بين الرجل و المرأة كما يدعون ؛و إنما صراع مرجعيات و عقائد، صراع بين من امن بالوحي و ارتضى الإسلام عقيدة وشريعة و سلوكا، و بين من ارتمى في أحضان الغرب و امن بالعلمانية عقيدة و سلوكا. فإيمان هذه الفئة باتفاقيات حقوق الإنسان و ما نصت عليه المواثيق الدولية إيمان عميق ،و أتباعها غير مستعدين بتاتا للتخلي عن أي من أحكامها أو بنودها لأنهم دخلوا في العلمانية "كافة" و لا يقبلون أبدا الإيمان ببعضها و الكفر ببعضها الآخر لان ذلك يمثل بالنسبة لهم "ردة" عن قيم الديمقراطية و الحداثة و حقوق الإنسان، أما الإسلام فلا يمثل بالنسبة لهم سوى معطى ثقافي ، و هو ثابت لا يتغير، و لا يمكن الحكم على المجتمع المتغير و المتجدد من خلال هذا المنظور الرجعي الماضوي هكذا يزعمون. فأين هو حديثهم عن المشاكل الحقيقية التي تقض مضجع المرأة المغربية كظاهرة العنوسة و العزوف عن الزواج و الدعارة و تصدير الفتيات للعمل في قطاعات الدعارة المنظمة، و تفشي الزنا المسببة للأمراض التناسلية المهددة لصحة النساء...؟ و غيرها من القضايا الخطيرة التي تتهدد المرأة المغربية ... إن العلمانيون لا يمثلون في المغرب إلا أقلية تجمع بين مستغربين و بين مغرر بهم،لكنهم مؤازرون من الغرب و منظماته مما يضمن لهم الاستمرار في نضالهم في المطالبة بتجاوز أحكام الشرع. إن اعتبار سمو المواثيق الدولية على الأحكام الشرعية يظهر مدى الاستغراب الذي تعيشه هذه الفئة من المغاربة ،هذا الاستغراب بدوره يفسر جرأة مطالب العلمانيين ،لكن سؤالنا هو ماذا يستطيع هؤلاء أن ينجزوه للمرأة المغربية؟ أكيد أنهم مهما عملوا و مهما ناضلوا فإنهم لن يصلوا في النهاية إلا إلى ما وصلوا إليه في الغرب التي أهدرت فيها كرامة المرأة فجعلوها سلعة في السوق الليبرالية المتوحشة، و بضاعة تؤدي كل أنواع الإيحاء الجنسي للتأثير على المستهلك ، مقابلة أجرة لا تعدو أن تضمن لها عيشا غير كريم بعد أن جردوها من كل معالم الحشمة و العفة ما جعلها تنفق دخلها بالكامل على ما يظهر جمالها و أناقتها ليرجع ما حصلته من الاقتصاد الحداثي بالكد و المشقة بالنهار إلى جيوب اللوبيات الاقتصادية عبر استهلاكها للخمور في الحانات و المراقص الليلية التي تعتبر ملاذ اغلب النساء اللائي فقدن أي إحساس بأهمية الأسرة،فاستعضن عن دفء العائلة بحرارة الخمر و أحضان الأخدان،ما دفع العاقلات من نساء الغرب إلى المطالبة بجلوس المرأة في البيت و الاهتمام بتربية النشء.. فكيف نفسر اقتصار العلمانيين على تسويق صورة مزيفة مغلوطة عن النساء في الغرب و ربطها بتقدمه و حداثته و حضارته التكنولوجية؟ بينما يخفون عجز كل الآليات و المواثيق و العهود الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان و خصوصا المرأة عن توفير حياة كريمة سعيدة لها ،معتمين عن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الدول الغربية و مراكز دراستها المتعلقة بنسب و معدلات و إحصائيات عمليات الاغتصاب و العنف الأسري و الإجهاض و القتل و التحرش، و التي تظهر بشكل جلي الجحيم و الخوف الذي تعيشه المرأة الغربية. فهل يعدنا العلمانيون بمستقبل أفضل من ذلك الذي كانت تعد به منظمات الغرب نساءها في بداية القرن العشرين؟ إننا نريد أن نكرم المرأة المغربية و نحمي حقوقها و نضمن لها ما يجعلها عنصرا منتجا و فاعلا،لكن دون أن نستنسخ النموذج الغربي الذي ينطلق من نظرة مادية دارونية لا تعترف بغاية هذا الإنسان ،و لا بحياة أخروية هي المستقبل الحقيقي للبشر سواء رجالا أو نساء.