بدأت معالم تحول حزب الاستقلال من خندق الأغلبية إلى خندق المعارضة تظهر جليا أكثر فأكثر للعيان عبر دخوله وبشكل يبدو أن «لا هوادة فيه» في مجابهة حكومة بن كيران في طبعتها الثانية، في المعركة الثانية بعد «مسألة التنصيب» التي هي بين يدي المجلس الدستوري للبث فيها، معركة مشروع قانون المالية لسنة 2014، في مقابل «دفاع مستميت» لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة. وظهر ذلك بوضوح اليوم، الأربعاء 30 أكتوبر، داخل لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، في إطار مناقشة مشروع قانون المالية ل 2014، من خلال مداخلتي فريق البيجيدي والفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية. وبينما رأى الأول مشروع قانون المالية "تنموي ويذهب نحو الإصلاحات الكبرى"، اعتبره الثاني "تقشفيا وإداريا ويفتقر للمسة السياسية". وقال رئيس فريق العدالة والتنمية، عبد الله بوانو، أن إعداد مشروع قانون المالية جاء بعد الصراعات التي عرفتها الاغلبية السابقة، محملا مسؤوليتها للاستقلاليين الذين انسحبوا من الحكومة. ورد عليه رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة، نور الدين مضيان، حين قال أن ما عاشته الاغلبية السابقة وما تلا ذلك من أزمات ومن ردود فعل، والتي كان من نتائجها انسحاب الحزب من الائتلاف الحكومي والتحاق حزب التجمع الوطني للأحرار به، جاء بسبب "تعنت رئيس الحكومة وعدم الاستجابة للمطالب التي سبق أن رفعها له الحزب في عدد من المذكرات". الفريقان قدما أيضا رؤية متناقضة في ما يخص قدرة مشروع قانون المالية على ترجمة ما جاء في البرنامج الحكومي، حيث اعتبر بوانو أن المشروع حامل للأمل ويرفع تحدي الذهاب نحو الاصلاحات الكبرى وإن بمستويات مختلفة، مضيفا أن المؤشرات التي وردت في المشروع تبقى معقولة ومتفائلة. وشدد على أهمية الإجراءات التي تضمنها قانون المالية والمتعلقة بالخصوص بالجانب الجبائي، مذكرا بالمنجزات التي تحققت في السنة الماضية والتي عددها بالخصوص في توسيع الخدمات الاجتماعية المتعلقة بارتفاع عدد التلاميذ المستفيدين من برنامج تيسير وفي عدد الطلبة الممنوحين وأيضا في عدد المستفيدين من برنامج (راميد) ومن صندوق التكافل العائلي وصندوق التماسك الاجتماعي، ودعا الى تجاوز الاختلالات التي ترافق تقديم هذه الخدمات. كما شدد على أهمية الاعتمادات المالية التي خصصت لترقية الموظفين والتعويض عن فقدان الشغل ودعم التشغيل في القطاع الخاص، مبرزا ان نتائج ما تم القيام من قبل الحكومة تمثل في ثقة المؤسسات الدولية للتقييم والتنقيط بالانجازات التي تحققت وذلك من خلال منح نقط تفوق ما تم منحه للمغرب في السنوات الماضية. وطالب بوانو الحكومة بتركيز الجهود من أجل المضي قدما في تجسيد الاصلاحات المتعلقة بمنظومة العدالة والمقاصة وأنظمة التقاعد والاصلاح الجبائي وإخراج القانون التنظيمي للمالية وتنزيل مشروع الجهوية، مشددا على ضرورة اتباع مقاربة تشاركية منفتحة على جميع الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين حتى يتسنى لكل طرف تحمل مسؤولياته في تنزيل الاصلاحات التي "لا يجب أن يتحمل تكلفتها طرف واحد". وبعد أن ذكر بأنه يجب قراءة الوضعية الاقتصادية للمغرب من خلال الأخذ بعين الاعتبار استمرار المخاطر المرتبطة بالأزمة الاقتصادية العالمية وبمحدودية الموارد وعدم توازن النفقات، أبرز أن الاشكال الذي يطرحه النموذج التنموي للمغرب يتمثل في كيفية الحفاظ على النمو وضمان استدامته والاستجابة في الوقت للطلبات الاجتماعية المتنامية، داعيا الى مزيد من ترشيد النفقات وبذل مجهود إضافي في ما يتعلق باسترداد الباقي استخلاصه، وضبط الواردات ومحاربة كل عمليات التهريب، والتركيز في مجال الجبايات على تضريب المواد الكمالية والثروة وإلى واعتماد الأبناك التشاركية. في المقابل، اعتبر مضيان أن مشروع قانون المالية "يشكل تراجعا على الالتزامات التي قدمتها الحكومة في برنامجها ويتضمن وعودا للاستهلاك السياسي فقط" مضيفا أنه تم أيضا اللجوء الى تقليص ميزانية الاستثمار مما من شأنه أن يؤثر على فرض النمو وإحداث مناصب التشغيل. وقال إن المشروع لا يرقى الى الطموحات في ظل الوضعية "السيئة" التي توجد عليها قطاعات حيوية من قبيل الصحة والتعليم والسكن والتي تعرف برأيه "تراجعا" مقارنة مع ما تحقق في السابق، داعيا الحكومة إلى الاجتهاد وعدم الاكتفاء بتقديم التبريرات والتركيز فقط على صندوق المقاصة. واعتبر أن ما يزيد من تأزيم الوضعية هو أن نسبة إنجاز الاستثمارات لم تتجاوز 40 في المائة. وأشار مضيان إلى انه تم من خلال مشروع قانون المالية اللجوء الى الخيار السهل المتمثل في المس بالقدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة "في الوقت الذي كان يتعين فيه على الحكومة معالجة التملص الضريبي" مشيرا في هذا السياق الى تقليص عدد مناصب الشغل من 26 الف منصب في قانون المالية السابق الى 17 ألف في المشروع الحالي وإلى تراجع تحويلات الدولة لصندوق التنمية الاجتماعية ولصندوق التنمية القروية. وانتقد مضيان أيضا الاجراء المتعلق بفرض الضريبة على القطاع الفلاحي، والاجراءات التي من شأنها أن تجمد الترقيات والتشغيل، و"غياب أجندة لتحريك عجلة الحوار الاجتماعي مع النقابات" مشيرا إلى أن هذه القرارات من شأنها أن "تهدد السلم الاجتماعي الذي يشكل عنصر قوة بالنسبة للمغرب". وطالب رئيس الفريق الاستقلال الحكومة بتنزيل ما تضمنه المخطط التشريعي وبصفة خاصة القوانين التنظيمية المكملة للدستور وذلك وفق مقاربة تشاركية وبتجسيد شعار الحكومة في مجال محاربة الريع والفساد وحماية المال العام. *المصدر: و م ع