افترق الأطباء وأطباء المستقبل بين الحسرة والذهول بعد أن سمعوا ما انتشر أخيرا من أخبار تم تسريبها من أحد مستشاري وزير الصحة السيد الحسين الوردي حول مستجدات التوظيف بقطاع الصحة خصوصا فيما يتصل بالأطباء... تقول الرواية " اجتمع عدد من خريجي كلية الطب صف 2012 و2013 أمام وزارة الصحة ليطالبوا الوزير بإخراج مباراة إدماجهم بعدما تأخرت ما يقارب العام.. خرج إليهم أحد المسؤولين.. تساءل الرجل من أنتم؟ وماذا تريدون؟؟؟ قالوا نحن دكاترة (معطلون)، وأركز هنا على كلمة (معطلون) وسأعود لتوضيح بعض اللبس الذي يعتورها.. أجاب.. حسنا ليخرج منكم بعض الممثلين لنتحاور.. وهو الذي تم.." 1- نتائج الحوار.. أو قل هو إخبار وكفي.. تم توظيف ثمانين طبيبا من أصل مائات الأطباء الذين تخرجوا في الدفعة الأخيرة وذلك في إطار ما تبقى من المناصب المالية من ميزانية السنة الفارطة. تم تحويل المناصب المالية الخاصة بالأطباء لهذه السنة لتوظيف الممرضين بعدما أقضوا مضجع الوزارة بمظاهراتهم (المظاهرات والاحتجاجات قادها الممرضون الذين لم ينجحوا في المباراة التي أعلنت عنها وزارة الصحة في هذه السنة) في السنة المالية 2014 لا يوجد مناصب مالية خاصة بالأطباء.. من المحتمل جدا أن يتم إلغاء مباراة الأطباء المقيمين.. وهي المباراة التي تفتح في وجه الأطباء حديثي التخرج والأطباء العامين للتخصص في المستشفيات الجامعية.. 2- نتائج هذه القرارات لو تمت لا قدر الله.. سنتان على الأقل سيتوقف خلالها إدماج الأطباء في القطاع العام.. وهو ما يعني عدم سد الخصاص الناجم عن تقاعد الأطباء، وكذلك الأطباء الذين يتخلون عن الوظيفة العمومية من أجل افتتاح عيادات خاصة وهذا أهون الداء.. أما الداء الأكبر والأخطر فهو العدد الهزيل للأطباء في المغرب والذي لا يشرفنا حتى إذا قارنا أنفسنا مع دول أقل منا في مؤشرات التنمية كالجزائر مثلا وتونس حاليا.. أما أن نصير كالأردن وهي دولة شبيهة من ناحية الظروف الموضوعية فهذا من سابع المستحيلات.. فهو قرار إذاً سيعمق من تدهور القطاع الصحي في المغرب، طبعا نحن نعرف أن المغرب على أبواب الأزمة وأن التوظيف يرهق الميزانية... ولكن هناك وزارات تعرف تضخما كبيرا في عدد الموظفين.. خصوصا فيما يتعلق بالقطاعات الإدارية.. مثلا في وزارة الداخلية تجد وثيقة واحدة يتعاون في إعدادها أكثر من ثلاثة موظفين في حين أن طبيبا في المراكز الاستشفائية الجامعية يقوم بوظيفة الطبيب (أو قل وظيفة عدة أطباء نظرا لقلة العدد) والممرض والحمال والشاوش ووظائف أخرى لا داعي لذكرها.. أن يتم تحويل المناصب المالية بهذه الطريقة الفجة.. يطرح أمامنا مشكلا أخلاقيا وقانونيا حقيقيا في مدى تنزيل قانون المالية الذي صوت عليه نواب الأمة.. وكذا في تفضيل طرف على طرف دون حق مثبت اللهم ما كان من احتجاج الطرف المحظوظ وسكوت الطرف المهضوم.... اللهم إن هذا لمنكر.. إلغاء مباراة التخصص يطرح عدة مشاكل.. أولا هي تتناقض مع سياسة الدولة في رفع عدد الأطباء المتخصصين.. ثانيا سيؤدي إلى تدهور عمل المستشفيات الجامعية .. ثالثا سيؤدي إلى حرمان عدد كبير من الأطباء من حقهم في التكوين المستمر الذي ضمنه القانون.. وحتى في وجود بديل للتخصص وهو المرور عبر سلك الداخلية فإن القرار لا ينبغي أن يدخل حيز التنفيذ بشكل فوري ولكن لابد من مرحلة انتقالية حتى لا تهضم حقوق فئة عريضة من الأطباء الذين يرغبون في التخصص والذين كانوا يعولون على مسلك مباراة التخصص بعد حيازة الدكتوراه وليس قبلها.. انخراط وزارة الصحة في مشروع 3300 طبيب سنويا تناقض صارخ مع ما يحصل حاليا.. إذ ترفض الان الوزارة توظيف عُشًرَ هذا العدد.. فكيف حين نبلغ هذا النصاب؟؟؟ وهذا ما يجعل التناقض صارخا إلى حد الجنون.. كمن يشجع على النسل وفي ذات الان يفرض تناول حبوب منع الحمل.. اللهم إن هذا منكر.. 3- توضيح بعض المفاهيم.. لقد صار الأطباء معطلين في المغرب رغم حاجة المستشفيات الماسة إلى خدماتهم. وهم الآن لا يطالبون بالإدماج الفوري والمباشر في أسلاك الوظيفة العمومية.. رغم أن تكوينهم مناسب جدا ليتبنوا مثل هذا المطلب.. فهو تكوين مهني متخصص لا يسمح لهم بمزاولة أي مهنة غير الطب.. ولذلك حتى فكرة المباراة هي فكرة غير مقبولة.. ومع ذلك فإن الأطباء اليوم لا يطالبون إلا بفتح المباريات أمامهم بعدما قضوا سنوات من التعاسة داخل كلياتهم والمستشفيات التابعة لها في شروط لا تليق بأطر الدولة العليا ليس أقلها المنحة الضئيلة وعدم التعويض على الحراسة وإلغاء المنحة في السنة السابعة وهي السنة التي تتزامن مع إعداد رسالة الدكتوراه.. وغياب التلقيح والتغطية الصحية رغم احتكاكهم مع مختلف الأمراض الفتاكة المعدية. إن هذه القرارات السيئة التي أقدمت على بعضها وزارة الصحة و توشك أن تقدم علي بعضها الأخر لتمس كل الشرائح.. ابتداء من المواطن المغربي الذي يعرف جيدا تدهور الخدمات الصحية والذي سيكون أول ضحية لما ستؤدي إليه هذه السياسة من استمرار في التدهور بدل الإصلاح الذي هو شعار المرحلة.. وكذلك طالب الطب في السنة الأولى والسنوات التي تليها الذي سيجد نفسه معرضا للعطالة بعد سنوات من الكد والاجتهاد وكذلك للحرمان من التخصص ليقضي عمره كاملا كطبيب عام. وكذلك المستشفيات الجامعية ورؤساء مصالحها الذين سيجدون أنفسهم يشتغلون مع طاقم غير كاف من الأطباء.. وكذلك الأطباء الداخليون الذين ستفرض عليهم تخصصات بعينها ما دام الأطباء المقيمون الذين يشغلونها سيعدمون من الوجود عما قريب.. لذلك لابد من تظافر الجهود للوقوف أمام هذه السياسة الهوجاء وهذه الكارثة التي توشك أن تقع... طبيب داخلي في مستشفى محمد الخامس بمكناس