مرت علاقة جماعة الاخوان المسلمين والجمهورية الاسلامية الايرانية باطوار مختلفة ترواحت بين التعاون و الاعجاب احينا و الخصومة والعداء احيانا اخرى, و تعود جذورالعلاقة الى ماقبل تاسيس الجمهورية الاسلامية اواسط القرن الماضي, وساحاول تسليط الضوء على هذه الفترة دون ان اطيل نظرا لطول مدتها الزمنية وظروف توطدها بالاضافة لوجود دراسات قد اوفت على هذا الصعيد وان قل عددها, لكن اتمنى ان اقدم محاولة للاجابة عن التساؤل: ماطبيعة العلاقة اليوم بين جماعة الاخوان ونظام الجمهورية الايرانية (الاسلاميين) ؟؟ تبدا علاقة الاخوان بايران الى ماقبل الثورة الاسلامية سنة 1977 بكثير وتحديدا في بداية الخمسينات مع ازدياد الاصوات المطالبة بالتقريب بين المذاهب من الحوزة العلمية الشيعية في قم (احدى المدن المقدسة لدى الشيعة الامامية ومثل هذا التيار في ايران كل من المرجعين اية الله القمي واية الله الكاشاني ) والازهر الذي يماثلها في العالم السني-الاشعري انذاك, وقد دخل الاخوان المسلمون على هذا الخط وهم الذين حملوا على عاتقهم دعوتي التقريب بين المسلمين و احياء الاسلام في الفرد والمجتمع والدولة بعد انهيار دولة الخلافة العثمانية سنة 1924 حسب طروحاتهم, فوجدوا في هذا الاخر الشيعي رجع صدى لدعوتهم لاسيما انه بدوره كان يعرف مظاهر احياء نشطة نظرا لتطور في بنية الفكر الشيعي وموقفها من الحكم في ظل الغيبة (غيبة الامام المهدي محمد ابن الحسن ثاني عشر ائمة المذهب الجعفري الامامي) ولعل ابرز من مثل هذا الاتجاه كان اعتماد الامام الخميني لفكرة الولي الفقيه (والتي نظر لها المرجع الشيعي اية الله النراقي حوالي نهاية القرن 12 هجري ثم تاكد هذا المفهوم بعد توالي احداث ازمة التبغ و انتفاضة المشروطة) وتطويره لها لتجمع بين مبدئي النيابة العامة عن الامام الغائب و ولاية الفقيه القاصرة في كتابي الحكومة الاسلامية و البيع , شهدت فترة الخمسينات ظهور تيارات موازية للاخوان في اغلبها علماني يساري التوجه وان طبع شعاراته بشعارات قومية مثل البعث والشيوعيين …دخلت هذه الحركات في التنافس مع الاخوان للوصول الى السلطة, عبر اختراق مؤسسات الدولة تارة عبر الجماهير المنتفضة ضد الحكومات التي جمعت بين الشكل الملكي السلطوي و نوع من اللبرالية السياسية والاقتصادية المحدودة من بين هذه النظم كان النظام الملكي المصري الذي كان اول ضحايا هذا الحراك عبر انقلاب عسكري والذي كانت تربطه بالنظام الايراني الشاهنشاهي ولسخرية الاقدار علاقة مصاهرة بين العائلتين المالكتين (زوجة الشاه فوزية اخت الملك فاروق الكبرى), في ظل ظروف مشابهة وجد الشاه محمد رضا بهلوي خارج المعادلة السياسية في ايران بعد اختيار الجماهير لمحمد مصدق وهو السياسي الذي مزج بين القيم الاسلامية الاصلاحية و دعوات العدالة الاجتماعية الاشتراكية الوافدة من الجارة روسيا, الا ان المصالح الاستعمارية سرعان مااسعفت الشاه فانقلبت CIA على مصدق سنة 1953 بعد قراره تاميم النفط وبعد اخطاء اهمها تهميشه لدور للمرجعية الدينية الشيعية في مدينة قم وهو مادق اسفينا بينه وبين جماهيرها من المتدينين الشيعة الايرانيين, على صعيد مواز غضت الولاياتالمتحدة الطرف عن سياسات الضابط الشاب جمال عبدالناصر الذي رفع مثل مصدق شعار العدالة الاجتماعية الا انه لم يهمش التيار الديني وحسب وانما سعى للقضاء عليه تماما وتهميش المؤسسة الدينية ممثلة في الازهر, واذا كانت مصر قد عرفت نوعا من الانفراج في علاقة التيار الديني بالدولة بعد هزيمة 1967 وتولي الرئيس محمد انور السادات خليفة لعبدالناصر فان علاقة الشاه بالمرجعية الشيعية وتياراتها الدينية المختلفة لم تتحسن بل ازدادت سوءا لاسيما بعد اصرار الشاه على ان يكون المشروع المجتمعي للدولة الايرانية مستندا على الهوية القومية الفارسية وهو مااغضب رجال الدين وزاد الطين بلة فشل السياسة الانمائية, مااضفى مصدقية على معارضيه في التيارين الديني والعلماني من لبراليين (الجبهة الوطنية التي كان يقودها مصدق, حركة تحرير ايران …) ويساريين (حزب تودة ومجاهدي خلق التي حاولت الجمع بين الاسلام والاشتراكية) وقد استطاع تضافر جهود هذه التيارات في معارضة موحدة (نقيضا لماحدث في انتفاضة 1906 و اصلاحات مصدق بداية الخمسينات) اخيرا زحزحة الشاه عن عرشه بداية من سنة 1977 وهي السنة ذاتها التي اتجه فيها حليف الشاه في مصر انور السادات و حليف الاخوان سابقا لتفاوض لتوقيع اتفاق سلام مع اسرائيل, وهو ماخلف غضبا عارما في وسط الشارع المصري لاسيما بعد تخلي حكومة السادات عن جزء كبيرا من مظاهر الاصلاح الاجتماعي التي اقرها سلفه عبدالناصر الا ان التيارات السياسية المصرية لم تكن لديها نفس الجهوزية لتستغل الفرصة للقيام بثورة مماثلة للثورة الايرانية, الا ماكان من تامر لتدبير اغتيال ناجح للسادات سنة 1981 على يد احدى الجماعات الاسلامية المنشقة عن الاخوان المسلمين وهو مادعمته ايران الجمهورية الاسلامية بشدة نظرا لادانة الشاه للثورة و اسلاميتها. من جانبهم رد الاسلاميون عموما التحية باحسن منها فحرصوا على الاشادة بالثورة و بخطابها الوحدوي و بمنجزاتها كما ادانوا جملة هجوم العراق البعثي ودخوله في حرب اهلية مدمرة مع الجمهورية الاسلامية الوليدة, الا ان هذه العلاقة امتحنت وعلى اكثر من صعيد فايران الخطاب الوحدوي بدات تقلص هذا الخطاب لصالح دعم الاقليات الشيعية في العالم العربي كما انها تحالفت مع حافظ الاسد المنحدر من الاقلية العلوية الشيعية ونظامه البعثي العلماني وهو يقوم بعملية تطهير لسورية من جماعة الاخوان المسلمين المحلية وصلت لابادة الالوف من سكان مدينة حماة, وهو مااعتبر بداية لتنبه كثير من اخوان (لاسيما في سورية والعراق و الخليج عموما) حول نظرة ايران الاسلامية المصلحية البعيدة عن الخطاب المبدئي ايام الاستضعاف الشاهنشاهي..على الرغم من ذلك ظلت ايران تحاول وصل الود مع اسلاميي شمال افريقيا فاستضافت بعض المغضوب عليهم من الجماعات الاسلامية المسلحة وواصلت استضافة مؤتمرات التقريب المذهبية و دعم خطاب الصحوة الاسلامية كاليات للضغط السياسي و ايضا لنشر الثقافة والمذهب الشيعيين في هاته البلاد من جانبهم حرص الاخوان المسلمون في هذه البلاد على الاشادة بالنموذج الاسلامي سياسة واقتصادا رغم تناقض هذا الخطاب مع نبذهم للحكم الثيوقراطي والياته لكن الاخوان حاولوا في هذا الجانب الضغط على الحكومات الموالية للشيطان الاكبر (الولاياتالمتحدة حسب الخطاب الايراني) التي كان في معظمها يخاصم ايران و يعاديها, لكن احداث سبتمبر وغزو الولاياتالمتحدة لافغانستان والعراق شكل منعطفا جديدا للعلاقة بين ايران الاسلامية وجماعة الاخوان المسلمين وفروعها فالتعاون بين ايران والشيطان الاكبر بات واضحا للعيان ومع تصاعد العنف ضد السنة في العراق الذين اعتبرتهم ايران جزءا من نظام عدوها اللذوذ صدام حسين من جانب المليشيات المدعومة من ايران وتحكم حزب الله في المشهد السياسي اللبناني مستعينا بسلاحه الذي لطالما ادعى توظيفه لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي للجنوب وتصاعد حرب رجل الدين الشيعي بدر الدين الحوثي مدعوما من ايران في شمال اليمن منذ سنة 2004 كل هذه المنعطفات زادت في الشرخ السياسي بين ايران والاخوان المسلمين الا ان اخطر تطور في هذه العلاقة تمثل في تبني الطرفين للخطاب المذهبي والتاكيد على الخصوصية المذهبية لكل طرف مع تصاعد دور رجال الدين الشيعة الاصوليين في الشارع الشيعي بدل المفكرين و الغزل بين الاخوان والتيار السلفي الوهابي بمدرستيه السلطانية الرسمية و السلفية, والتمترس خلف هذا الخطاب المذهبي المتشنج لاسيما في البلاد التي تعرف تعايشا بين السنة والشيعة ادى لتحول العلاقة من التشنج والمجاملة الايديلوجية في احسن الاحوال الى الخصومة الواضحة حتى ولو حرصت طهران و حركة حماس ممثلة الاخوان في فلسطين نظرا لمصلحة كل من الطرفين في استمرار هذه العلاقة وتوطيدها, الا ان تفجر ثورات الربيع العربي سيفاقم من تدهو العلاقة بين الطرفين ليشمل بذلك حتى علاقة طهران الولي الفقيه مع حركة التحرر الفلسطينية الاخوانية, لاسيما بعد تدخل طهران المباشر الى جانب النظام السوري وحزب الله الذي بات يعتبر اداة عسكرية للجمهورية الاسلامية وليس مجرد حركة مقاومة كما كان يدعي, رغم وصول الاخوان المسلمين للسلطة في مصر ( او هكذا اعتقدوا و اعتقد الكثيرون) الا ان الخصومة لم تنفرج بسبب استمرار التدخل الايراني في سورية ولبنان واليمن وتفجر السنة العراقيين في وجه نوري المالكي حليف/صنيعة طهران حيث بات واضحا ان الهدف الاول للاخوان هو بناء علاقة اكثر متانة مع محيطهم من النظم الخليجية التي تعادي ايران وخطب ود الكتلة الانتخابية السلفية في مصر التي تعادي التشيع ودولته, لكن بعد العودة السريعة للجيش المصري للسلطة في انقلاب الثالث من يوليوز وتقارب هذا النظام مع نظام بشار الاسد ومع استمرار معارك الكر والفر بين هذا الاخير الموالي لايران و المعارضة المسلحة التي يشكل الاخوان جزءا منها وسيطرة رجل ايران في اليمن الحوثي على اليمن وامساكه بزمام الامور في صنعاء, مع استفحال ظاهرة داعش التي باتت تسيطر على اكثر التراب السوري وجزء لاباس به من محافظات السنة في العراق مع العلم انها وفي اطار نظرتها كتيار سلفي جهادي لاتميز بين ايران الشيعية الرافضية و جماعة الاخوان المسلمين الذين يمزجون في تربيتهم كثيرا من الموروث الصوفي الاشعري و باتوا يتبنون في خطابهم السياسي كثيرا من ادبيات الغرب العلماني كالديمقراطية والحرية وحقوق الانسان. لذلك ففي اعتقادي وجب على حكماء الطرفين اعادة التفكير في سبل بناء هذه العلاقة على اسس مصلحية متوازنة بعيدا عن التوظيف البرغماتي الذي لم يفد منه سوى اعداء الطرفين و بعيدا عن الخطاب العاطفي الذي ترواح في الفترة السابقة بين الاعجاب من طرف واحد الى حد الهيام والذوبان في النموذج الايراني او الكره والتكفير و التفسيق.