لقد مرت الجلسة الشهرية لمساءلة رئيس الحكومة بالبرلمان يوم الثلاثاء الأخير كسابقاتها في شد وجذب ومشاداة كلامية بين رئيس الحكومة وبعض أحزاب المعارضة، انتهت بصراع كلامي بين بنكيران وميلودة حازب رئيسة الفريق البرلماني لحزب الأصالة والمعاصرة خصوصا حينما قاطعته أثناء مداخلته قائلة له" الحزب ديالي بزاف عليك وكبير عليك " فرد عليها قائلا " ديالي اللي كبير عليك ". إلى هنا تبدو الأمور عادية نظرا لطبيعة الصراع السياسي والاختلاف الأيديولوجي والفكري الذي طبع علاقة الغريمين السياسيين العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة منذ تأسيس هذا الأخير، ولكن أن يقوم أحد ( الكتاب ) القيادي السابق في هذا حزب التراكتور بكتابة مقال كله سب وشتم وانحطاط في مستوى التفكير والنقاش والتأويل، فإن الأمر يستلزم الوقوف عنده ليعرف الوديع مقامه. والحديث هنا عن مقال لعضو المكتب الوطني السابق لحزب الجرار والشاعر صلاح الوديع بأحد المواقع الإلكترونية يؤول من خلاله قول رئيس الحكومة " ديالي اللي كبير عليك " بأنه إيحاءات جنسية، والتأويل نفسه صرحت به " ميلودة " لبعض المنابر الإعلامية، ليبني عليه " شاعر الجرار " مجموعة من الاتهامات الوضيعة وصلت به إلى التلميح بكون بنكيران " سلكوط " كما جاء في عنوان لمقالته المنشورة ببعض المواقع، وهو ما استفزني خصوصا وأنني أرجح أن ينأى عبد الإله بنكيران وقيادات حزب العدالة والتنمية عن الرد عليه، وغالبا سيكتفون أمام هذا الانحطاط بقولهم " سلاما "، لعلي أعلم هذا الشاعر ضوابط التحليل والتفسير والتأويل. أولا : كلمة " ديالي " تعني ملكي أو يخصني وتطلق على الأشياء المادية والمعنوية أو الأشخاص أو الحيوان أو غيرها كأن يقال " الولد ديالي أو الحصان ديالي أو الحزب ديالي وووو…"، وفهم المقصود بقولها رهين بربطها بالشيء المنعوت بهذه اللفظة " ديالي ". ثانيا : حينما يكون الكلام حمال أوجه وتفسيرات متعددة فإن التأويل السليم المعقلن يقتضي الارتكاز على سياق الحديث ومجال التلفظ به، والحال في هذه النازلة أن رئيس الحكومة كان في جلسة دستورية داخل مؤسسة تشريعية محترمة، وسياق الكلام أنه رد على قول زعيمة برلمانيي البام في الغرفة الأولى " الحزب ديالي كبير عليك"، بمعنى استعمال لفظ " ديالي اللي كبير عليك " في هذا السياق تحيل على "الحزب " وليس شيء آخر. ثالثا : من بين الضوابط المرجعية لفهم مقاصد الكلام وما يراد به، استحضار المرجعيات الفكرية والأيديولوجية للمتكلم وسيرته التي تعكس أخلاقه وتربيته ومبادئه، والحال هنا أننا أمام زعيم حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية ومن مؤسسي الحركة الإسلامية المعتدلة في المغرب المعروف بأخلاقه وتربيته ومبادئه التي يشهد بها الخصم قبل الصديق، ولا أدل على ذلك من تصريح لألد خصومه نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة نفسه الذي تنتمي إليه " ميلودة " باستبعاده إعطاء كلام رئيس الحكومة تأويلات جنسية لا أخلاقية. رابعا : حينما تغيب كل هذه الضوابط في تحليل وتفسير وتأويل الكلام، فإن ذلك من شأنه أن يفسح المجال لتَحَكُّم البيئة التي يعيش فيها المحلل والمفسر في توجيه فكره وتحليله وعقله ، وكما يقال " الإنسان ابن بيئته "، فتكون النتيجة آنداك موافِقة تأويل الكلام للمستوى الذي يميز هذا العقل عند المفسر، العقل الذي خلقه ربنا عز وجل في مكان رفيع من جسم الإنسان، أما من يجره فكره وعقله لتفسيرات منحطة ودنيئة من هذا النوع فيبدو أن عقله بين رجليه.