ما فتئ العلمانيون العرب يقدمون أنفسهم، على أنهم حماة الديموقراطية، وأساتذة الحداثة، ودعاة حقوق الإنسان، ومنقذو البلاد، ومخلصو العباد، ولذلك، نصبوا أنفسهم للوعظ السياسي، والإرشاد الحداثي، والتوعية الحقوقية، وتفرغوا لتقديم الدروس لغيرهم – وبخاصة لخصومهم الإسلاميين – في الحداثة، والاستنارة، والديموقراطية، وحقوق الإنسان، وقبول الاختلاف، واحترام الآخر، والتعددية السياسية، والتداول السلمي على السلطة، وغيرها من مفردات الخطاب الحداثي العلماني. غير أن انقلاب العسكر على الديموقراطية في مصر، شكل امتحانا عسيرا للعلمانيين، واختبارا حقيقيا لهم، في مدى إيمانهم بأفكارهم، وفي درجة إخلاصهم لمبادئهم، سرعان ما أبان عوارهم، وكشف عورتهم، وأزاح القناع عن نفاقهم السياسي، وإفلاسهم الفكري، وانحطاطهم الأخلاقي، وأظهر – بما لا يدع مجالا للشك – أنهم أدعياء للديموقراطية وليسوا ديموقراطيين، وأعداء للشعوب وليسوا في صفها، وأنهم يعملون لمصالحهم الضيقة، وحساباتهم الفئوية، وينحازون لأجندات دولية وإقليمية، ولا تعنيهم مصالح الوطن والأمة في شيء. لقد تآمر العلمانيون على الشرعية، وكفروا بالديموقراطية، وتحالفوا مع العسكر، وقبلوا أيديهم وأرجلهم، ولعقوا أحذيتهم، وركبوا دباباتهم إلى السلطة، وداسوا نتائج الانتخابات، وكسروا صناديق الاقتراع، وقادوا واحدة من أكبر حملات الكذب والتضليل، والتحريف والتزوير، وقلب الحقائق ومسخ المفاهيم، فحولوا التظاهر السلمي إلى إرهاب، والخصوم إلى شياطين، والهتاف إلى تحريض، وراحوا يبررون مجازر العسكر، ويشرعنون الملاحقات والاعتقالات، ويثنون على "المواطنين الشرفاء" من جحافل البلطجية وقطعان المجرمين والقتلة، وهم يكسرون عظام الشباب، وينهشون لحوم المصريين كالكلاب المسعورة، كل ذلك تحت ذريعة مواجهة العنف، ومكافحة الإرهاب، وباسم حماية الأمن القومي، والسلم الاجتماعي، والاستقلال الوطني. ولم يقفوا في تسفيه معارضي الانقلاب وتخوينهم وشيطنتهم عند حد، ولم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة، ولم يراعوا فيهم دينا ولا إنسانية ولا وطنية، بل وصفوهم بأشنع الصفات وأقذع النعوت، ونسبوهم إلى كل شر ونقيصة، ولم يألوا جهدا في التغطية على تجاوزات الأمن وانتهاكات العسكر في حقهم، من قمع وتقتيل، واعتقال وتشريد، ومداهمة للبيوت، واستهداف للمساجد، وانتهاك للحرمات، وكان مسك ختامهم، بعد كل هذه الفضائح والفظائع، سبا وشتما للخصوم، وسخرية وشماتة بهم، وجلدا للضحية وتبرئة للجلاد. وبهذا المكر والتآمر، وهذه الفظاعات والممارسات، خان العلمانيون مبادئهم، وتنكروا لأفكارهم، وباعوا ضمائرهم بثمن بخس دراهم معدودة وحقائب فارغة، فافتضحوا فضيحتهم الكبرى، وسقطوا سقوطهم التاريخي المدوي. ولن ينسى الشعب المصري الشقيق يوما، ومعه الشعوب العربية والمسلمة، وقوف العلمانيين ضد إرادته، ومعاكستهم لطموحاته، وتحالفهم مع أعدائه، وسوف يعاقب العلمانيين في أقرب فرصة، العقاب الذي يجتثهم، ويستأصل شأفتهم، وينهي دورهم، ويلقي بهم – إلى الأبد – في مزبلة التاريخ، لكن بالأساليب السلمية الحضارية، وبالطرق الديموقراطية الحقيقية، وليس من خلال دبابات العسكر، وقطعان البلطجية، وقنوات الكذب والزور، فقد أثبت الواقع نضج الشعوب وتهافت كثير من النخب، وأثبت التاريخ أن البقاء للأصلح لا للأقوى، وقضت إرادة الله الكونية أن (لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله)، وسترتد انتهازية العلمانيين وسعيهم إلى إسقاط "الإسلام السياسي" بكل الطرق قريبا عليهم، وستكون وبالا عليهم، وإن غدا لناظره قريب، (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم) (سورة الروم).