يعد إنتشار الفضائح المالية و إشكالية الحفاظ على المال العام الذي يعتبر بمثابة الوعاء الذي تتسرب في قعره جل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لأي بلد، و من الأسباب التي دعمت تبني تقنيات جديدة للإدارة العمومية كانت في البداية حكرا على القطاع الخاص من أهمها آليات نظام الرقابة الحديثة والمتمثلة في الإفتحاص بمختلف فروعه و أنواعه، على إعتبار أنه أداة تسعى إلى تكريس فعالية الرقابة، على إعتبارأن وظيفته تعد من الوظائف الآنية والملحة في الإدارات بالقطاع العام نظرا لتوسعها الكبير والمستمر، وأيضا للتطورات الكثيرة التي تحدث إرتباطا بالجوانب المالية والإدارية بها، مما يزكي الحد من الكثير من الأخطاء والانحرافات والإختلاسات التي تعرقل تحقيق مصالح المرتفقين، وبالتالي الحرص على تقديم أفضل للخدمات العمومية. وبما أن الإدارة العمومية أصبحت ضرورة أساسية من أجل تأقلم المجتمعات مع المتغيرات الداخلية والخارجية المستمرة في مختلف مجالات حياتها، التي تتطلب تحقيق أهداف وخدمات استعصى على الناس تحقيقها فرادى، فإن أهمية الإدارة برزت من خلال كونها ذات طابع اجتماعي وإنساني، شُكّلت قصد تلبية احتياجاتهم وتوجيه مجهودهم وتنسيقه. على هذا الأساس أصبحت الإدارات العمومية حلقة مكملة مرتبطة بتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة من جهة، وتحقيق التنمية بشتى أنواعها من جهة أخرىن، وبالتالي أصبح لها دور كبير في المجتمعات، وكثر اللجوء إلى خدماتها، ما فرض عليها تحدّيات كثيرة، في مقدّمتها الرفع من مردودية هذه الخِدمات وتحسين مستواها الإداري والمالي. من أجل ذلك فالإفتحاص يبدو من المواضيع الهامة والحاسمة في ظل التحولات العميقة التي يعرفها المجتمع المغربي لاسيما على التعديلات الدستورية الأخيرة " دستور 2011″، حيث أصبحت إشكالية الإفتحاص على إختلاف مستوياتها الإشكالية المحورية الأكثر تداولا في مختلف النقاشات والخطابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مما جعل المغرب كباقي سائر الدول المتقدمة يتبنى إرساء المجلس الأعلى للحسابات ضمن المؤسسات الدستورية التي تساهم في عقلنة تدبير المال العام . فمنذ بداية الألفية التالتة تزايد الإهتمام بالشأن المالي و بنظام الرقابة عليه، ولا غرابة في ذلك ما دام المال العام هو الرحى التي تدور حولها عجلة التنمية بالدولة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أيضا التطور الذي حصل في السياسة المالية بالمغرب، بحيث أصبحت تحتاج إلى نظام يفرض الشفافية على جميع النشاطات الإدارية بهدف التحقق من أن الموارد المالية العمومية قد تم تحصيلها وفق القواعد والقوانين واللوائح المعمول بها. فالإفتحاص يعد نشاطا تأمينيا وإستشاريا غايته الأساسية إضافة جودة للعمليات التي تعرفها الإدارة بالقطاع العام من خلال تحقيق سليم للخطط والأهداف، مما يتيح لها فرصة إكتساب نظام يعمل على تقييم جودة وفعالية الخدمات من خلال تحديد مدى فائدة وفعالية نظام الرقابة في الإدارة لضمان تدبير عقلاني للأهداف تم إكتشاف الإحتيال والغش ومنعهما من خلال تقييم لجودة الإجراءات ومدى فعاليتها من قبل الإدارة، وبالتالي يساعد الإفتحاص في التحقيق من مدى فعالية نظام المتبع بالإدارة، ومدى أيضا توافقه مع ما خطط له، والتمكن من قياس مدى فعاليته وملائمته مع الأهداف. إن الأهمية التي ينفرد بها نظام الإفتحاص بالقطاع العام تتمثل في كونه آلية تعمل على خدمة الإدارات بمختلف جهاتها الداخلية أو الخارجية، الأمر الذي سيجعلها تعتمد عليه بكثرة خصوصا ارتباطا بتجويد أدائها الإداري والمالي. ومما لا شك فيه أن الفساد المالي له تكلفة إجتماعية وإقتصادية باهظة، بحيث يعمل على تأخير عملية التنمية وتحقيقها بشتى أنواعها، ويعيق بناء الديمقراطية ويقلص مجال دولة القانون والمؤسسات، وهذا ما يتيح للرقابة الحديثة مراقبة سلامة الأداء الإداري ومكافحة الفساد بأجهزة الدولة والحفاظ على المال العام، من خلال حمايته من الإختلاسات وسوء التدبير والتركيز على مراقبة جودة الوحدات الإدارية، ومدى تحقيق الأهداف المخطط لها تم الإهتمام بملائمة المساطر المتبعة وتعديلها. إن فعالية الإفتحاص بالقطاع العام تجعلنا أمام تقاطعات مترابطة فيما بينها بحيث يمكن القول أن الإدارة الناجحة والتي تسعى إلى جودة التدبير من خلال نظام رقابي حديث "الإفتحاص" يحفظ لها ضبط الأداء الإداري، ويسعى إلى تجويده وفق ترشيد علمي للقرارات التي يتخذها المسؤولون وتنفيذها بأفضل صورة ممكنة، من خلال مقارنة ما تم وسيتم إنجازه وفقا للخطط الموضوعة التي تقاس نتائجها المتحققة بمعايير تمكن من معرفة أسباب الإنحرافات والأخطاء من أجل إتخاذ تقويم تصحيحي يحفض عدم تكرارها في المستقبل. وجدير بالذكر أن النظام الرقابي الخاص بالمالية بالمغرب يستند على العديد من الأجهزة المختلفة من حيث الدور و الطبيعة وأسلوب عملها، ولكنها تتقاطع في هدف واحد يتجلى في الحرص على تأمين الإستعمال السليم للمال العام والتصدي للإنحرافات، والتجاوزات التي يمكن أن تمس العمليات الإدارية كذلك والسعي إلى تصحيحها و المساهمة في تقييم وتطوير التدبير العمومي.