هناك مغالطة يروج لها المؤيدون لطقوس البيعة، وعلى رأسهم وزير الأوقاف السيد التوفيق، مفادها أن رفض طقوس البيعة بالشكل الذي تتم به في بلادنا ( وبخاصة مشهد الركوع للملك وهو يمتطي صهوة جواده ) إنما هو خروج عن الدين وتمرد على طاعة أمير المؤمنين. وهي مغالطة كان بالإمكان تجاوزها لو أنها جاءت على لسان مواطن متحمس مندفع من العامة ، أما وأنها تصدر من مثقف دارس للتاريخ ومبدع في الأدب، قبل أن يكون وزيرا، فلا يسعنا إلا أن نحوقل ونلعن السياسة والمناصب العليا التي تدفع المرأ إلى تغيير مواقفه والتخلي عن صورته الأولى التي عرف بها لدى الناس. إن وزير الأوقاف يعلم، قبل غيره، أن الرافضين لطقوس البيعة لا ينازعون في شرعية حكم الملك، بل إن منهم من لا يرى مستقبلا للحكم في المغرب بدون الملكية المؤيدة بشرعية التاريخ قبل أن تكون مؤيدة بشرعية الدين، لأن الإجماع على الملكية ببلادنا لا ينخرط فيه المواطنون المسلمون فقط، وإنما ينخرط فيه أيضا المواطنون غير المسلمين كاليهود وغيرهم من غير المتدينين وإن كانوا قلة. المسالة إذن لا تتعلق بعدم الاعتراف بشرعية الملك، أو مساس بواجب الاحترام والتوقير له، وإنما تتعلق برفض طقوس لا يؤيدها الدين ولا العقل ولا العصر، وأستغرب للمفارقة التي يقع فيها دعاة "مغرب الحداثة " عندما يشنون حربهم على "الظلاميين" ويدافعون، في الوقت نفسه، عن طقوس البيعة، إنه مظهر من مظاهر الانتهازية والدفاع عن المصالح الضيقة. لماذا لا تتقدم حاشية الملك ومستشاروه "الحداثيون" ب " نصيحة " أو " اقتراح " لمراجعة طقوس البيعة بما يتوافق مع روح الدستور الجديد وبما يستجيب لتطلعات المواطنين ويخرس الألسنة غير الصادقة في الداخل والخارج ؟ وحتى لا يزايد علينا أحد أو يغالطنا أو يصنفنا ضمن الخارجين على ثوابت الأمة كما يفعل دائما سعيد الكحل، نقترح تعويض طقوس الركوع أمام الملك، برسالة ولاء وبيعة يتلوها في حضور ممثلي الأمة - الذين يكونون جالسين أو واقفين أمام الملك - يتلوها وزير الداخلية أو مواطن آخر يتم الاتفاق عليه، وبذلك نكون قد حافظنا على تقليد مغربي واحترمنا شروط العصر، وطورنا طقوس البيعة بما ينسجم مع العهد الجديد، فكثير من التشريعات الإلهية تخضع للتغيير حسب الزمان والمكان فما بالك بتقليد من ابتكار البشر. وإذا كانت البيعة شكلا من أشكال التعاقد بين الحاكم والمواطن، يتلقى فيها الحاكم الولاء، ويتعهد بالسهر على سلامة ومصالح المواطنين وفق قوانين دستور البلاد، فإن هذا التعاقد قد تم ببلادنا يوم أن اعتلى الملك عرش أسلافه، فلماذا يتم تكرار البيعة كل سنة كما لو كانت تتقادم وينبغي تحيينها ؟ وعندما تتم العودة إلى التاريخ الإسلامي للدفاع عن مشروعية البيعة ( بيعة العقبة، وبيعة الرضوان ) وعندما يتم الاستشهاد بقوله تعالى: " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم (10.الفتح) أو بقوله صلى الله عليه وسلم " من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " ... عندما يتم الاستشهاد بكل ذلك يتم إغفال نقطة مهمة في الموضوع وهي كيفية أداء المسلمين للبيعة؟ هل تمت البيعة للرسول (ص) ولأمراء المسلمين فيما بعد، بالركوع أمامهم؟ ذكر ابن خلدون في مقدمته – وهذا أمر يعرفه الوزير السيد التوفيق أكثر من غيره – أن المسلمين " كانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمي بيعة. هذا مدلولها في عرف اللغة ومعهود الشرع وهو المراد في الحديث في بيعة النبي ليلة العقبة وعند الشجرة. " ( جعلوا أيديهم في يده ) هكذا كان المسلمون يبايعون أمراءهم، بوضع أيديهم في يد الأمير وليس بالركوع أمامه، أم أن السيد التوفيق يريدنا أن نأخذ من التاريخ الإسلامي ما يؤكد شرعية البيعة ونتغاضى عما يتعلق بكيفية أدائها لمجرد أن المخزن حريص على أن تبقى طقوسها كما هي عليه؟ أم أن الأمر يرتبط – عنده - بخصوصية المغاربة الذين اختاروا عقيدة الأشعري وتصوف الجنيد ومذهب الإمام مالك؟ إذا كان الأمر كذلك فليأتنا السيد التوفيق بدليل نصي على وجوب الركوع عند بيعة الأمير ورد في كتب أحد الإمامين الجليلين الأشعري ومالك.