أجل، هي مهازل بصيغة الجمع النكرة المفيد للكثرة والتنوع، وهي مهازل بما تعنيه الكلمة، أصابت الحقل الديني في مقتل، ووضعته على شفا حفرة من الانهيار، وأوصلته إلى وضع السكتة القلبية، وعادت به عقودا إلى الوراء، بعدما عرف نوعا من الحراك والانتعاش، في عهد الرئيس الموقوف للمجلس العلمي المحلي. من أسوأ تلك المهازل، توقيف أزيد من 130 واعظا متطوعا دفعة واحدة، منهم أطر ودكاترة وأساتذة جامعيون، بعذر إداري تافه، كونهم يحملون إذن المجلس العلمي المحلي، عوض إذن المجلس العلمي الأعلى، فترتب عن ذلك ما ترتب من توقف شبه كلي لدروس الوعظ والإرشاد في مساجد الإقليم، وحرمان للمواطنين من حقهم في التوجيه الديني السليم، إلا ما ندر، علما بأن المجلس لا يتوفر على أكثر من بضعة وعشرين واعظا رسميا، لا يحققون من كفاية مئات مساجد الإقليم شيئا، مما جعل الرأي العام المحلي يستنكر ويتساءل: أين انفتاح المجالس العلمية على غير أعضائها من العلماء الذي ما فتئ أمير المؤمنين – نصره الله – يذكر به ويلح عليه في خطبه؟. وهل دور المجالس العلمية إعمار بيوت الله أم هو إخلاؤها وتفريغها؟. ومن أسوأ تلك المهازل، تصفية مراكز التحفيظ التي فتحها المجلس العلمي السابق، وعددها حوالي خمسين، لم يتبق منها إلا النزر اليسير، مع أن من المشرفين عليها أعضاء سابقون وحاليون بالمجلس العلمي المحلي. فلمصلحة من يتم هذا؟ ومن المستفيد من حرمان المئات من ناشئة الإقليم من حفظ كتاب الله؟ علما بأن للإقليم باع تاريخي طويل في تحفيظ القرآن الكريم، وعلما بأن تافيلالت – وعلى حد تعبير العلامة محمد المختار السوسي – تمثل واحدة من قلاع العلم الشرعي بالمغرب، إلى جانب كل من فاس وسوس. ومنها توقيف الرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي، وهو أستاذ فاضل له حظوة وقبول، وله جهد مقدر مشكور وغير مسبوق، في تحريك مياه الحقل الديني الرسمي الآسنة منذ عقود، ليتم التفرغ لتصفية تركته وحصيلته الطيبة من المبادرات والأعمال، ومن الأعضاء والمتعاونين. ومنها توقيف أحد أعضاء المجلس، بتهمة الخروج عن الثوابت، بعد أربع سنوات من العضوية والعطاء، وهو رجل علم فاضل معروف بحكمته وتجرده واتزانه. ومنها توقيف عدد من أهل الصدق والغيرة من الأئمة والخطباء والوعاظ، ودائما بإحدى تهمتين جاهزتين: السياسة أو مخالفة الثوابت، بل جرى إغلاق مساجد بأكملها، وكاد الأمر يتطور إلى ما لا يحمد عقباه. المضحك المبكي في الموضوع، أن بعض مدبري الشأن الديني المحلي، من كتبة التقارير، وممن يحاكمون الناس إلى الثوابت، ويعزلون وينصبون بناء عليها، لا يفقهون من الثوابت الدينية للمملكة حرفا، ولا يميزون بين ثابت ومتحول، ولا بين أصل وفرع، ولا بين عقيدة وفقه، قد سارت بجهلهم الركبان، فإلام يحاكمون الناس إذن؟ إلى الجهل والرعونة والهوى؟ اللهم لا شماتة !!. والمضحك المبكي كذلك، أن بعض المشرفين على حملات التفتيش هذه، التي أفرغت بيوت الله، وأوصلت الشأن الديني بالرشيدية إلى ما وصل إليه، هم من رفاق الأمس القريب، الذين ظلوا ردحا من الزمان يشهدون أن " لا إله والحياة مادة"، ولا زالوا يجهرون بانتمائهم للماركسية اللينينية، فكيف لا يرى أمثال هؤلاء في كل واعظ صادق – بل في كل متدين عاد – خصما سياسيا وعدوا إيديولوجيا؟. وكيف لا يتهمون من شاءوا بما شاءوا، وهم وحدهم في الميدان، ومنهم الخصم والحكم؟. ليس غريبا أن يقع مثل هذا، عندما تسند الأمور إلى غير أهلها، وعندما يوضع تدبير الشأن الديني بيد غير المتدينين، وعندما يصل الناس إلى المناصب والمسؤوليات بأعمامهم وأخوالهم، لا باجتهادهم وكفاءتهم. ولكن الغريب أن لا يلتفت أولو الأمر إلى أن هذا الصنف من الناس، يسيئون إلى المؤسسة الدينية الرسمية، ويمرغون صورة الإسلام الرسمي المغربي في الوحل، ويدفعون الشباب الطائش إلى البحث عن بدائل دينية أخرى، وربما وقع في براثن التطرف والإرهاب لا سمح الله.