لجواب هو :نعم... ولكن!. إذا ما قبلنا بمبدأ إفلاس الدول، فإن من واجبنا القبول بمبدأ إفلاس المدن، تماما كما تفلس الشركات والأفراد. نعم لقد أفلست مدينة ديترويت الأمريكية عاصمة ولاية ميتشيغان أو بالأحرى عاصمة دولة ميتشيغان التي تبلغ مساحتها أكثر من مساحة العديد من دول العالم. فهذه المدينة الشهيرة على مستوى العالم، نبشت بشكل رسمي جيوب سروالها، مظهرة لباقي العالم أنه لم يعد لديها أموال، تماما كما يفعل المفلسون أو المديونون عندما يطالبون بدفع الديون المستحقة عليهم. ولكن كيف أفلست ميتشيغان، ولماذا أفلست؟ هناك على ما يبدو مئات الأسباب لإفلاس هذه المدينة العريقة والمزدهرة التي تعتبر قاعدة صناعية كبرى. منذ أعوام الستينيات من القرن الماضي قيل أن "الأضواء بدأت تخفت في ديترويت" وكان هذا إشارة إلى أن الاضطرابات الاجتماعية التي حدثت في تلك الفترة أدت إلى موجة من هجرة المدينة إلى الضواحي المجاورة. وبعد عقود اهتزت القاعدة الصناعية للمدينة (قاعدة صناعة السيارات) بسبب زيادة كبيرة في واردات السيارات من اليابان. المؤكد أن تراجع ديترويت قد حدث بالحركة البطيئة على مدى 7 عقود من الزمن. فهجرة السكان ساهمت بدورها في تدمير القاعدة الضريبية التي يتم جنيها كل عام من السكان الذين انخفض عددهم من ذروة بلغت مليوني شخص تقريباً في خمسينيات القرن الماضي إلى أقل من 700 ألف. كما تراجع تعداد السكان بمقدار الربع منذ عام 2000 وحتى عام 2013. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية ما قاله مايكل لافيف، من مركز ماكيناك للسياسة العامة من أن "''كثير من الأشخاص الذين غادروا المدينة على مدى تلك السنوات كانوا من ألمع السكان، وأكثرهم ريادة للمشاريع. وأن الأشخاص الذين بقوا في تلك المدينة، لا يمكنهم أن يتحركوا حتى لو أرادوا ذلك"''. أما كين بَكفاير، رئيس البنك الاستشاري المختص ميلر بَكفاير، الذي تم التعاقد معه في كانون الثاني/يناير الماضي لتقديم المشورة للمدينة حول إعادة هيكلتها، فقد قال من جانبه"لا تستطيع ولاية ميتشيغان إنقاذ ديترويت. لأن هذا سيعطي حافزاً لكل مدينة أخرى لأن تكون غير مسؤولة. وأضاف:إذا كان هناك إعصار، من الممكن لميتشيغان أن تنقذ ديترويت، لكنها لا تستطيع إنقاذها من 50 سنة من سوء الإدارة". وكتب هيني سِندر من ديترويت و ريتشارد ماكريجور من واشنطن، في صحيفة فاينانشال تايمز أن "حجم المدينة الذي كان في الماضي نقطة إيجابية لصالحها هو أكبر مشاكلها الآن. فهي تتمدد على 139 ميلا مربعاً، تنتشر فيها مساكن مزرية مغطاة بألواح خشبية ومحال تجارية لا تفتح أبداً، وبنايات سكنية مهجورة. وإذا تركتَ منزلاً غير مأهول لعام واحد، سيختفي منه السياج وحتى إطارات النوافذ. والمحال التجارية التي لا تزال تمارس أعمالها تلبي احتياجات السكان الذين يعيشون على الهامش، وتقدم خدمة القرض قصير الأجل، المسمى قرض الراتب، إضافة إلى التحويلات النقدية". يضاف إلى كل ذلك بالطبع معدل الجريمة المرتفع الذي يصل إلى 5 أضعاف المتوسط الوطني في كامل أنحاء الولاياتالمتحدة، والبطالة المرتفعة إلى 18.6 في المائة، أي أكثر من ضعف المعدل الوطني. على أية حال، ورغم أن إعلان إشهار الإفلاس جاء مفاجئاً تماماً، مع أنه كان متوقعاً منذ أكثر من عقد من الزمان، فانه لا بد من الإشارة إلى أن مدناً أمريكية أخرى واجهت حالات إعسار من الناحية العملية، أو شبه انهيار، مثل نيويورك وبتسبيرج وبالتيمور، وكلها استطاعت إخراج نفسها من المأزق، بدرجات متفاوتة. خلاصة: المدن هي كالإمبراطوريات الكبرى... تصاب بالترهل وبالإفلاس، وينخر عظامها الفساد، وأحياناً كثيرة يكون إسعافها مستحيلاً، وبخاصة بعد أن تبدأ بالانحدار من القمة إلى القاع. *خبير اقتصادي