في كل مناسبة عيد، يَغتَمُّ الكثير من الناس بدل أن يفرحوا، وتزداد مساحات الفرقة والاختلاف بين أفراد أمة كثرت أَهِلَّتُها، وفي كل عيد يتحول السفر إلى رحلة عذاب، أو مغامرة تقتنى تذاكرها بأثمنة مرتفعة مع الازدحام في البر والبحر والجو، وحوادث هنا وهناك، والمهم هو أن تصل. لقد شُرع العيد للناس لإظهار الفرح والشكر، لكن الحال أننا في كل عيد نحزن ونشكو ونشتكي، فعلى أبواب المساجد نسوة يبكين أو يتباكين لضيق ذات اليد ويستجدين الناس عسى أن يقتني لهن أحد كبشا ولو لم يكن أملحاً وأقرناً، وفي الطرقات شباب تجمهروا متطوعين لجمع المال لتلك العجوز التي لم يراها الناس أو تلك الأرملة التي مات زوجها من فرط نومه. أمة منخورة من داخلها، تحتضر كل سنة كأنها في موت بطيء، كيف تحولت أعيادنا إلى مناسبات فارغة تضيق فيها الصدور أكثر مما تنشرح، وتَعُمُّ الفوضى والازدحام والأزبال، وتتعدد السرقات والمضاربات؟ لقد صار عيدنا أفضل مناسبة يمتصُّ فيها البعض دماء البعض، "الشَنَاقة" بمختلف مستوياتهم مجمِعون على عَصْر المواطن المغلوب، فهذه المؤسسة تقرضه هذه السنة ولن يرد إلا في السنة القادمة، وتلك العصابة ترفع أثمنة الأضاحي أكثر من المعقول، أما بعد العيد فقوالب السكر هي الأخرى تتوعده بارتفاع الأثمنة لأنه مدمن حلاوة. في العيد يكثر الطلاق بسبب الكبش، وتضيق الشقق الضيقة أصلا لأنها ستستقبل ضيفا من نوع خاص، وجبت معاملته ورعايته والصبر على رائحته الكريهة لأنه يكره الاستحمام. في العيد أناس مرضى يتألمون، وتتقاذفهم المستشفيات والصيدليات، ويتمنون من أعماق قلوبهم ان يتعافوا ليحتضنهم العيد بين أهلهم وذويهم. كثير من الناس يجهل كل أركان دينه إلا شعيرة الذبح التي افترضها على نفسه، أما باقي الأركان والتي لايستقيم الدين إلا بها فهي عنده من المستحبات. وحتى لا نقول كل الناس فمازالت فئة واسعة تُحيي العيدَ ويحييها العيدُ، فئة مبتسمة ومتواضعة لا تملك الكثير لكنها غنية النفس، عفيفة اليد، تبتهج بقدوم العيد، إنها الفئة التي ينطبق عليها قول القائل: "الخبز والما والراس في السما" . ما يسيء لأعيادنا هي أنها مازالت محكومة بالعادة أكثر منها عبادة، لذا نريدها مناسبة لإشاعة المحبة والتضامن والنظام في شوارعنا وطرقنا وأحيائنا. والأهم هي أن نسنشعر معنى: عيدكم مبارك سعيد.