ما زال تدبير الدولة المغربية لاحتجاجات حراك الريف في شمال المغرب وأصدائها تثير نقاشات واسعة، فرغم خفوت حدة الاحتجاجات بعد نجاح هدنة متوافق عليها ضمنيا خلال الأسبوع الماضي، أثقلت الدولة على الاحتجاجات عنفا نهاية الأسبوع لقي استنكارا واسعا، ستكون له آثار سلبية على مسار الهدنة ومساعي تحقيق مطالب المحتجين مع إطلاق التحقيقات التفصيلية مع قادة الحراك المعتقلين في الدارالبيضاء. وعاد الناشطون يوم الاحد إلى الاحتجاج في الحسيمة مصرين على الاحتجاج لغاية تلبية مطالبهم، وتظاهروا وسط الشواطئ، رافعين شعارات مطالبة برفع العسكرة وإطلاق سراح المعتقلين ومرددين هتافات «قتلوهم عدموهم .. ولاد الشعب يخلفوهم»، و«علاش جينا واحتجينا .. المخزن طاغي علينا»، و«لا للعسكرة .. لا للعسكرة» معلنين مواصلة التظاهر حتى الاستجابة لجميع المطالب المرفوعة، وعلى رأسها منح الحرية لكل المعتقلين بسجون الدارالبيضاء والناظور والحسيمة واستنكروا التعنيف الذي يطال المتضامنين مع «حراك الريف»، معتبرين أن ذلك لم يزد سوى في الاحتقان ولن يفضي على نتيجة. وتدخل رجال الأمن في مدينة القصر الكبير بقوة لتفريق وقفة تضامنية مع معتقلي “حراك الريف مساء اول من أمس الأحد وعمم نشطاء ومتظاهرون من المدينة، صور المصابين جراء التدخل الأمني العنيف، لتفريق وقفتهم التضامنية كما خرج طلبة بمدينة وجدة للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين على خلفية حراك الريف، مشددين على أنهم سيواصلون التضامن بالرغم من المقاربة الأمنية التي تقابل بها الاحتجاجات مرددين «ولاد الشعب إيلا هدرو فعكاشة كيغبرو» و«رغم القمع رغم السجون لازلنا صامدون» و«شعب الريف قرر إسقاط العسكرة»، وغيرها من الشعارات التي صدحت بها حناجر المتضامنين، الذي دعوا إلى إنهاء مسلسل الاعتقالات والقمع.
ودعت «الجبهة الشعبية من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية» عموم المغاربة للمشاركة المكثفة في مسيرة وطنية بالرباط يوم الأحد المقبل تحت شعار»مطلب مشترك، نضال شامل، تنظيم واحد، من أجل الكرامة والعدالة الاجتماعية» تضامنا مع الناشطين الذين تعرضوا للعنف على أيدي رجال الأمن يوم السبت الماضي وعلى خلفية الاحتقان الاجتماعي الذي يعاني منه المغاربة.. وأوضحت ولاية (محافظة) جهة الرباطسلاالقنيطرة ما جرى وما تعرض له الناشطون يوم السبت الماضي أثناء وقفة احتجاجية أمام البرلمان في الرباط تطالب بالإفراج عن الناشطة المعتقلة، سليمة الزياني «سيليا» الفنانة التي تبلغ من العمر 22 سنة وقالت الولاية إنه على إثر التجمهر الذي قامت به مجموعة من الأشخاص، بشارع محمد الخامس في الرباط، تدخلت السلطة المحلية والقوات العمومية من أجل تنفيذ المقتضيات القانونية بشأن التجمعات العمومية. وقالت إن ممثل القوة العمومية، الحامل للشارة الوظيفية، عمد طبقا لما هو منصوص عليه إلى مطالبة الحاضرين بالانصراف وفض التجمهر لما يشكله من إخلال بالأمن العام وعرقلة لحركة السير والمرور، غير أن بعض المتجمهرين أبدوا امتناعا برفضهم فض التجمهر بل وتعمد بعضهم استفزاز ومواجهة أفراد القوات العمومية وتعريضهم للعنف اللفظي والجسدي، مما اضطرت معه القوات العمومية وبتنسيق مع النيابة العامة المختصة، للتدخل لتفريق هذا التجمهر.
عنف وحشي
وأضافت الولاية أنه أثناء هذا التدخل قام بعض الأشخاص بالتظاهر بالإغماء والسقوط أرضا حيث تدخلت مصالح الوقاية المدنية لنقلهم إلى مستشفى ابن سينا، والذي غادروه في الحين. وردا على بلاغ ولاية الأمن في الرباط، بخصوص حيثيات تفريق الوقفة التضامنية التي نظمتها «نساء مغربيات واقفات ضد الاعتقال السياسي بالرباط»، أمام البرلمان قال بلاغ للجنة تنظيم الحملة «واجهت القوات العمومية بعنف وحشي عشرات المناضلين والمناضلات الذين توجهوا للمشاركة في الوقفة استعملت فيها الأجهزة التي أنزلتها السلطة الدفع والضرب والركل والرفس والتنكيل والسب والشتم وغيرها من أساليب عنيفة ومهينة وحاطة بالكرامة الإنسانية، دون أي إشعار موجه للحاضرين كما تقتضيه المساطر» (الإجراأت). وأضاف البلاغ «تعرضت لهذا الاعتداء نساء ورجال مسنون وشباب وشابات رغم جلوسهم إلى الأرض وتعبيرهم على سلمية الوقفة. ولم ينج من هذا الاعتداء الشنيع حتى الصحافيون الذين أسقط أفراد القوة العمومية أحدهم أرضا وأشبعوه رفسا وركلا رغم تعريفه بنفسه كصحافي. كما تم الاعتداء بعنف شديد على محامي وحقوقي معروف حين توجه بالحديث إلى المسؤول الأمني يطلب منه استعمال الوسائل القانونية لفض التجمعات. وقد أدى هذا الهجوم التعسفي وغير المبرر الذي تعرضت له هذه الوقفة السلمية إلى نقل عدد من الضحايا إلى المستشفى ومنهم العديد من الحقوقيين والحقوقيات والصحافيين والنشطاء الشباب المعروفون بنشاطهم الجمعوي والحقوقي”. وعبرت حملة نساء واقفات ضد الاعتقال السياسي عن إدانتها الصارخة لهذا «الاعتداء المخزي على نساء ورجال أتوا لممارسة حق تظل الدولة تتبجح به وبالدستور الذي ينص عليه». وأعلنت «أن هذا الهجوم الوحشي الذي مارسته القوى القمعية ما هو إلا تجسيد آخر لواقع الاستبداد والتسلط اللذين يشكلان طبيعة النظام السياسي ببلادنا ووجهه الحقيقي البشع الذي لن تنفع كل مساحيق الخطابات الزائفة في تجميله. وأدان حزب النهج الديمقراطي (يسار راديكالي) التدخل الأمني في حق المشاركين في الوقفة، واعتبر أن القمع كان مقصودا وبمشاركة مباشرة لمسؤولين أمنيين من درجات مختلفة، «حيث استهدفوا العديد من مناضلات ومناضلي القوى الحقوقية والمدنية والسياسية، وضمنهم أعضاء النهج الديمقراطي الذين نقلوا إلى قسم المستعجلات. ولم يسلم من هذا الهجوم عدد من المواطنين الذين عبروا عن غضبهم واستنكارهم لهذا القمع غير المبرر».
ادانة لمحاولات تبرير العنف
وأدانت شبيبة حزب العدالة والتنمية، الحزب الرئيسي في الحكومة التدخلات الأمنية العنيفة في حق المحتجين السلميين، وعبرت عن شجبها ل»تكسير وتخريب ممتلكات المواطنين، مستنكرة «خطاب تبييض وتبرير الممارسات المخلة بالقانون والحاطة من كرامة المواطنين والمنتهكة لحقوقهم في التظاهر السلمي والعيش بأمان» ودعت الجهات المسؤولة عن اعتقال شباب حراك الحسيمة إلى الإفراج الفوري عن المعتقلين، ومراجعة هذا «المسار الموغل في النزعة الأمنية». وجددت شبيبة العدالة والتنمية دعم مطالب حراك الحسيمة السلمي، داعية الدولة إلى «تحمل مسؤوليتها في التعامل الجدي مع مطالب الشعب المغربي في الديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية». وخلق القمع العنيف لوقفة السبت في الرباط نقاشا واسعا في أوساط رواد موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» في المغرب، وانتقد أغلب المدونين الأسلوب الذي تعاملت به القوات الأمنية مع المحتجين، واستغربوا بلاغ ولاية الرباط التي اتهم المحتجين باستفزاز الأمن واعتبر التدخل قانوني رغم بشاعته.
دعوات لمقاطعة ندوة الناطق باسم الحكومة
ونال الحقوقي مصطفى الرميد، وزير الدولة (نائب رئيس الحكومة) والمكلف ب «وزارة حقوق الإنسان»، القسط الكبير من الانتقاد والسخرية، وذكره رواد الفيسبوك بما رده على الجمعيات الحقوقية الخميس الماضي حول استعمال مفرط للقوة ضد نشطاء حراك الريف عندما قال إنه اتصل بوزير الداخلية عبد الوافي لفتيت لاستفساره حول الأمر. عدد من الصحافيين، دعوا من خلال تدويناتهم على صفحات الفيسبوك وتويتر إلى مقاطعة الندوة التي سيعقدها الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي عقب نهاية المجلس الحكومي المقبل، في حين رأى آخرون حمل شارات حمراء تنديدا بالقمع الذي طال المصور الصحافي أحمد راشد، عضو هيئة تحرير موقع «لكم2». وانتقد توفيق بوعشرين، مدير يومية (أخبار اليوم)، في افتتاحيته ليوم الاثنين أسلوب الدولة في التعامل مع الاحتجاجات، خصوصا ما وقع أثناء وقفة السبت بالرباط. وقال إن التدخل الأمني، الذي وقع أمام البرلمان، ضد منظمي وقفة احتجاجية سلمية تطالب بالإفراج عن المعتقلة، سليمة الزياني «سيليا» والتدخل الذي وقع، مساء الجمعة الماضية، ضد المحتجين في الحسيمة، يؤكد أن هناك توجهين متناقضين داخل الحكومة بشأن التعامل مع احتجاجات الحسيمة والمتضامنين معها، وهناك توجه وزير الدولة مصطفى الرميد، الذي يدفع في اتجاه التهدئة، وهناك الصرامة الأمنية واستعمال العنف الذي يمثله وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت. ووجه البرلماني نبيل الأندلوسي عن فريق «البيجيدي» بالحسيمة، سؤالا كتابيا، إلى وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج ووزير الدولة المكلفة بحقوق الإنسان المصطفى الرميد، في موضوع « الحماية القانونية للصحافيين أثناء ممارستهم لمهامهم»، وذلك عقب تعرض كل من أحمد راشد المصور الصحافي بموقع «لكم»، والصحافي هشام العمراني، للتعنيف أثناء تفريق الأمن لوقفة الرباط وطالب الأندلوسي الوزيرين، بعرض الإجراأت التي ينوون القيام بها «لوقف مثل هذه التجاوزات في حق الصحافيين وضمان حقهم في توثيق الأحداث ونقلها للمواطنين دون تعرضهم للمس بكرامتهم أو سلامتهم الجسدية».
نقابة الصحافة تستنكر
وأعربت النقابة الوطنية للصحافة المغربية عن استيائها الكبير ل«الاعتداء الشنيع» الذي تعرض له الصحافي بموقع « لكم « من طرف قوات الأمن العمومية «بينما كان الزميل يقوم مساء السبت الماضي بدوره وبوظيفته في تغطية وقفة احتجاجية سلمية بشارع محمد الخامس في الرباط». وأوضحت أن الاعتداء خلف إصابات في أجزاء كثيرة من جسد الزميل. وقالت النقابة إنه ومن خلال المعطيات التي حصلت عليها النقابة يتأكد «أن الاعتداء كان متعمدا لأن الزميل الضحية لم يكن ضمن المحتجين وكان يقوم بمهمته في التصوير وتسجيل التصريحات» وإنها «إذ تندد بهذا الاعتداء الشنيع الذي اعتادت قوات الأمن العمومية استهداف الصحافيين به خصوصا أثناء القيام بواجبهم في تغطية الوقفات الاحتجاجية، ورغم البيانات الكثيرة التي أصدرتها النقابة ورغم مراسلة النقابة لوزارة الداخلية الوصية على جهاز الأمن، ورغم مطالبة النقابة المتكررة وزارة العدل بفتح تحقيق في هذه الاعتداأت، ورغم طرح الموضوع تحت قبة البرلمان، فإنه لم يقع الاكتراث بكل هذه المبادرات مما يؤكد أن الأمر لا يتعلق بممارسات فردية لبعض قوات الأمن» . (المصدر: القدس العربي)