حين يتحدث حسن أوريد، الناطق الرسمي باسم القصر سابقا، يستوجب الأمر قراءة ما وراء السطور، وحمولة عارف بالمخزن وكواليس إدارة خيوط البلاد والعباد، هذا ما يتوجب القيام به مع "الكلمة عن الحراك" التي أدلى بها الرجل، فانتصرت لمقاربة بالتأكيد أنها لن تروق أجنحة معينة في الدولة. أوريد الذي يرى بأن الحراك في الريف، "دخل مرحلة خطرة، بعد حملة الاعتقالات والمتابعات، وهي ما ينذر بتصعيد لا يمكن التكهن بمساراته في ظرفية مضطربة ومشحونة"، أعاد قراءة الجذور الأساسية لمشكل سيظل عقيما ما لم تكن المعالجة جذرية، ليعتبر منذ مستهل المقال أن وفاة المرحوم محسن فكري ليست "إلا القطرة التي أفاضت الكأس".
إن المشكل الأساسي بالنسبة لأوريد يكمن في تغييب "الإنسان" وأساسا خيارات هذا الإنسان، أي أن المشكل يكمن في الديمقراطية، وينتقد بشدة تعامل الإدارة مع هذا الموضوع، وتحديدا قيام الإدارة بفرض تصورات جاهزة وفرض نخب مصطنعة "وهو ما كان يُغيض نخبا ذات مسار تاريخي ونضالي، في المغرب والمهجر، آمنت بالمصالحة، وأدركت فحوى ما أقدمت عليه الدولة في فجر ما سمي بالعهد الجديد..ولم تفهم التخرصات التي أقدمت عليها، بعدئذ، من خلال تنصيب وصي أو أمين عليها".
لقد تعاملت الدولة مع الريف، كما تتعامل مع مناطق عديدة بمنطق الوصاية، فنصبت حزبا هجينا، ونخبا فاسدة، هذا ما تخفيه السطور الآنفة، واستدل أوريد بما قاله عم الفقيد كريم لشكر الذي توفي اثر ملاحقة الأمن له حين قال:" إن المشكل يبقى في طريقة التعامل مع ساكنة الريف..ولم يتم التقاط الإشارة".
وهنا تحديدا ينتقد أوريد تصور الدولة الذي "يقوم على مفتاح (الباص passe ) الذي من شأنه أن يفتح كل الأبواب..ولا حاجة لحمل رزمة من المفاتيح، لكل باب مفتاحها..كان ذلك هو التصور القديم للمخزن، ولم يزد سوى أن غيّر “باص” ب “باص.”، هنا ضرب أوريد خصمه فؤاد عالي الهمة، وشبهه بادريس البصري.
ينتقد أوريد الدولة بشدة وهو يقول إن "ما لم يدركه بعض أصحاب القرار، هو أن التفضل بموقع ووضع على شخص أو أشخاص، يزري بمن لهم مسار ورصيد وشرعية. قد يتوارون أمام اختلال موازين القوى، ثم يبرزون حين يتغير الوضع..من يُلام ؟ من أٌجهز عليه، وأُزري به، ويظهر بعد كمون، ويدافع عن قضايا مشروعة أم من دفع بالإمّعات الذين يتاجرون بالقضايا المشروعة ؟"
نصائح ثمينة:
ويرى أورد أن " المشكل أبعد مدى من أن يحصر في الريف، بل هو منظومة عمل" مضيفا أنه "من السهل الإلقاء بالتعلّة على الغاضبين، ونعتهم بالغوغائين وأصحاب الفتنة، ومن السهل تبخيسهم، والزعم أنهم شرذمة تُغذي الكراهية وتدعو للعنف، وتروم الانفصال..ولكن حبل الكذب قصير كما يقال. “الشرذمة” تستند على مد جماهيري، وعلى تعاطف وطني ودولي، وما يسمي بخطاب الكراهية تخرصٌ، يُخلط قصدا بمواقف سياسية، والانفصال، وليسمحْ لنا الفقيه النِّحرير خالد الناصري أن نمتح من قاموسه المُرصّع، خرافة..".
ويقدم أوريد للدولة نصائح ثمينة ، وهو يقول:"ما نريده هو مخرج، لأن الوضع دقيق، في ظرفية مضطربة. لا بد من حوار جاد، ولا يمكن للحوار أن يتم إلا في وضعية هادئة. وأول الأشياء إطلاق سراح الموقوفين ورفع المتابعات.. الموقوفون لهم مطالب اجتماعية، ومواقف سياسية، وليسوا مجرمين اقترفوا جنايات".
أوريد يسأل الدولة:
ويسأل أوريد الأذن البلاستيكية للدولة :"إذ هل الرأي عرقلة، وهل يحق للمسجد أن يكون صدى سياسي لطيف دون طيف ؟ وما سند الحديث “إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب فقد لغوت “..أليس ذلك من مأساة الإسلام تدجين المسلمين مما اختلقه الطلقاء ليجعلوا الدين الحنيف تحت الحِّجر ؟ أليس إغلاق المساجد عقب الصلاة، عرقلة للعبادة، لأن العبادة ليست مقصورة على الصلوات ؟"
ويتساءل أيضا:"ما العيب أن يقال إن الدولة أخطأت في خياراتها النيوليبرالية التي خلقت الفقاقيع، وتبدت سوآتها مع سلسلة الخوصصات الفطيرة، وتسليم الأراضي لنصابين ومافيات معروفة، من مناطق معروفة، وهل فضيحة دله بركة بتاغزوت قرب أكادير ببعيد ؟"
ويضيف:"ما العيب أن يُفخر بعبد الكريم الخطابي، الذي كان ثاني اثنين ممن حمل لقب غازي، وهو أعلى لقب لمن حمل راية الإسلام، حملها أول من حملها، باديء الأمر مصطفى كمال حين حرر تركيا من قبضة الإنجليز عقب الحرب العالمية الأولى، وبعده عبد الكريم الخطابي".
ما العيب أن يحمل شباب الريف وعيهم التاريخي، يتساءل أوريد:" وإيمانهم في المصير المشترك مع أخوتهم من شمال افريقيا ؟ أليس هذا ما استشهد من أجله المجاهدون منذ ملحمة الأمير عبد القادر، حين سقت دماء قبائل بني يزناسن و كبدانة وقلاعة وآيت ورياغل، وغيرها، معركته ضد المستعمر، ثم أثناء حرب التحرير ؟ فهل يليق بالأحفاد أن يخيسوا برسالة الأجداد ؟".
نصيحة ثمينة:
ويختم أوريد مقاله بالقول :"والحكمة هو مسايرة هذا المد الذي لا محيد عنه، بالتي هي أحسن، و ذلك ما نبتغي. وإلا فالأخرى….سيتحقق معها ما يندرج في مسلسل التاريخ، ولكن بثمن غال.. وهو ما لا نريد".