على الرغم مما يعرفه الحقل الشعري في المغرب من تراجع وقلة القراء، بسبب هيمنة الرواية على الساحة الأدبية، وتهرب الناشرين من نشر الكتابات الشعرية بحجة أنه ليس هناك إقبال واهتمام به، إلا أن الجيل المعاصر من الشعراء يواصل تمسكه بالإبداع الشعري، لإيمانه العميق بضرورة استمرار هذا الشكل الأدبي في الساحة الأدبية، رغم كل الظروف. لذا، فالشعر يحظى بمكانة مهمة لدى مجموعة من الرواد المعاصرين منهم عدد لا يستهان به من النساء. إن الشعر النسوي يتميز بعفويته وملامسته للواقع المعاش، إذ تعمل المرأة على التحرر في الكتابة الشعرية والبحث عن ذاتها المنسية، أو العالقة في ذكريات الماضي وتقلبات الحاضر، حيث تفتقد المرأة إلى الإحساس بالوجود في ظل هيمنة الرجل وشبه انغلاق المجتمع على أحاسيسها. فالشاعرات المغربيات يحاولن إخراج كل الأحاسيس المتجذرة في أعماقهن. ومن ثمة فإن عدم القدرة على التعبير علنا، يدفعهن إلى استعمال الشعر كوسيلة؛ سواء للاعتراف أو الشكوى أو محاولة تقاسم الألم مع الآخرين. فالكتابة الشعرية ليست فقط إبداعا أدبيا، وإنما تعبير وجودي عن وجود المرأة. لذلك ليس غريبا أن نجد عددا من الشاعرات يركزن على الكتابة الذاتية، كطريقة للبوح والتخلص من المعاناة المستمرة، التي تعيشها المرأة في ظل مجتمع ذكوري. وعلى الرغم من أن الكتابة النسائية ما تزال في ريعان شبابها، إلا أن الأديبات المغربيات تميزن بحسهن العميق في ترجمة أحاسيسهن، واستعمال تجاربهن الشخصية كأرضية لكتابة تعكس الواقع، الذي عاشته أو تعيشه المرأة بصفة عامة. وقد برز تيار أدبي نسوي على الساحة الأدبية الوطنية والدولية، مغيرا بذلك المفهوم الكلاسيكي لعدم قدرة النساء على الإبداع كالرجل. اليوم العديد من النساء ينافسن الرجال على كبرى الجوائز الأدبية، وأصبحت المرأة المبدعة محط اهتمام كبير للعديد من النقاد والباحثين الجامعيين. كما صدرت العشرات من المؤلفات والكتب النقدية حول الكتابة النسائية في المغرب، وتطورها السريع من الناحية الفنية والجمالية والموضوعاتية، وتجاوزها للمفاهيم الضيقة. ففي كتاب «الكتابة النسائية المغربية، تطور واستمرار» للباحث رضوان نجيب، يتضح بكل جلاء أن الكتابة النسائية عرفت تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، نظرا لأن الشعر النسوي يعتبر اليوم مرآة المرأة الصامتة، المنعزلة، الجريحة، التي تحاول الثورة على كل القوانين لتحقيق رغبتها في التحرر من كل القيود، وبالتالي التعبير عن أحاسيسها وذاتها. وتعتبر سعاد الوليدي من الشاعرات المتميزات، حيث تتميز نصوصها بالسلاسة واستعمال لغة قريبة من الوسط المعاش. لكنها، وبالمقابل، لغة تعكس نفسية الشاعرة وإحساسها بالوجود. فنصوصها الشعرية يغلب عليها الطابع الذاتي الوجودي المتأرجح بين الفوضى والوهم والعبث، إذ نجد أن أغلب قصائدها عبارة عن خطاب موجه للآخر، لأن الشاعرة تتحول من حالة التمركز على الذات إلى حالة التواصل مع الآخر عبر خطاب مباشر يحمل في طياته مجموعة من الرسائل. وهكذا لم تنفصل التجربة الشعرية عند سعاد الوليدي عن تجربتها الذاتية، وظلت مرآة للحياة والأحاسيس التي جعلت منها الشاعرة مادة للإبداع والابتداع. كما تعتبر نسرين ابن العربي من الشاعرات المغربيات المعاصرات. شاعرة تكتب بالإسبانية وتتخذ من الشعر فرصة للقاء والتوحد مع العالم. إنها شاعرة تجعل من الشعر سببا للحوار والتواصل والتأمل في الطبيعة، محاولة بذلك فهم ماهية الوجود والعلاقة التي تربطها بالآخرين؛ سواء كانوا شعراء أو أفرادا من العامة. ومن هنا فإن قصائدها دائما ما تميل إلى التغني بالذات في صمتها وغيابها وحضورها. وهكذا يقارب شعرها بين واقعين أحدهما معاش والآخر متخيل. وإلى جانب ذلك كله، يمتاز شعرها باللمسات التناغمية، التي دائما ما تتميز في اختيار المفردات الحاملة لتناغم موسيقي داخلي، ما يجعل من قصائدها قصائد في متناول القارئ، بعيدا عن أسلوب التصنع في الكتابة. وهناك، كذلك، نجية أبديم، التي تعد من الشاعرات المغربيات الأكثر حركية في المشهد الشعري والثقافي المغربي. إنها شاعرة تكتب بالفرنسية والإسبانية والعربية، وتجعل من الحكي فنا تواصليا ينطلق من الذات في محاولة للتواصل مع الآخر. فتجربتها الشعرية تحولت من الإبداع إلى الاهتمام بالأنشطة الأدبية والثقافية، حيث وهبت وقتها لتنظيم مجموعة من اللقاأت الشعرية المتميزة. وتتميز قصائد نجية ابديم بمساحات واسعة للبوح الذاتي، كما نجد تنوعا أسلوبيا واضحا في نصوصها، غالبا ما يميل هذا التنوع في الكتابة إلى البساطة. وعادة ما يتميز الشعر النسوي بهوس طرح السؤال الوجودي كطريقة للبحث عن أجوبة في القصيدة. إنه شعر النزعة والثورة والبوح والجرح والاعتراف الصامت الحامل في طياته للعديد من الدلالات والأسرار. والسؤال الشعري مدخل رئيسي في الكتابة الشعرية النسوية، لأنه تعبير صادق عن تجربة الوجودية تعيشها الشاعرات المغربيات في مرحلة الحب أو الفراغ أو الحنين، أو في مرحلة النضال من أجل تحرير المرأة من كل القيود السلطوية والاجتماعية والمعتقداتية. فالشعر هو الفضاء الوحيد الذي يُمَكِن الشاعرات من كشف القناع، ومحاولة التواصل مع الآخر في حقول متنوعة، عادة ما تحمل لون الحزن والتعاطف والحنين اللامتناهي. لقد نشرت سعاد الوليدي ونسرين ابن العربي ونجية أبديم مجموعة من الدواوين والقصائد في العديد من المنابر الوطنية والدولية. وقد تم اختيار سعاد الوليدي من بين أبرز الشاعرات المغربيات المعاصرات، ضمن كتاب جماعي يضم أزيد من 80 شاعرا وشاعرة من العالم، أعده الناقد التونسي أحمد صلاح بن عمر. هذا إن دل على شيء، إنما يدل على قيمة الكتابة وعمق النصوص، التي تعكس جمالية الشعر النسوي المغربي وتنوعه وتجديده المستمر. ولكن، وفي الوقت نفسه، تبرز تجربة الشاعرة المغربية نسرين ابن العربي، باعتبارها من التجارب المهمة في المغرب، خاصة تجربة القصيدة الإسبانية. وقليلات هن الشاعرات المغربيات اللواتي يكتبن بهذه اللغة، مما يجعل من أعمالها تجربة فريدة من نوعها. فكلما تنوعت اللغة في الكتابة الشعرية، إلا وتنوع الحقل الشعري، وأصبح فضاء يستقطب الدارسين والباحثين في مجال الشعر والإبداع الأدبي. وتنوع اللغة يعني أيضا تنوع الثقافة، وإنتاج نصوص تتميز بالانفتاح والتداخل النصي والثقافي. وفي مقابل هذا، نجد أعمال نجية أبديم تنفرد بتنوعها اللغوي والموضوعاتي، فهي تنتقل من الشاعرة إلى الحكواتية لتحكي للقارئ ألف ليلة وليلة تحت سماء الشعر. ونادرا ما نجد في المغرب شاعرة بهذه المواصفات، خصوصا أن الغالبية العظمى من الشاعرات يخترن لغة واحدة للتعبير عن وجودهن ونظرتهن للأشياء والحياة. فقد تعددت اللغات في أعمالها، وأصبح الزجل لونا من ألوانها الشعرية. كما أن حضورها المتكرر في تسيير الأنشطة الثقافية وتقديم الأعمال الأدبية زادها تقربا من القارئ، ومن ثمة أصبحت من الأسماء المعروفة في مدينة الدارالبيضاء. والجدير بالذكر، فإن الشاعرات الثلاث شاركن في ديوان شعري جماعي يصدر قريبا تحت عنوان «لقاء»، وهو ديوان يجمع 14 شاعرا وشاعرة من المغرب وفرنسا وإسبانيا، وقد كتب تقديمه كل من الشاعر الفرنسي باتريك برتا فورقاس، والأستاذة الجامعية الباحثة حنان السعيدي. إنه ديوان يعد من الإصدارات النادرة في المغرب. ومشاركة الشاعرات الثلاث في هذا الديوان، دليل على الاهتمام، الذي يحظى به إنتاجهن الأدبي، وبالأخص نصوصهن التي تزخر بالتعددية اللغوية والتنوع الثقافي. وعليه، فإن الشعر المغربي بماهيته النسائية في حالة من التطور والتجديد المستمر، فالمرأة تنافس الرجل في هذا المجال الأدبي، فقد أصبح الشعر النسوي من آليات الإبداع، التي فرضت نفسها في الساحة الثقافية، رغم الاحتكار الذي يعرفه المشهد الثقافي المغربي.