بعدما تنفس المغاربة ديمقراطية وليدة رغم الشوائب الكثيرة المغلفة بها، وبعدما بزغ أمل ديمقراطية حقيقية بدأت تتشكل وترخي بظلالها على الممارسة السياسية ببلدنا، وبعدما أصبح للعملية السياسية معنى حقيقي بتجاذبات ثياراتها وحدة تنافس ممارسيها، وبعدما أصبحت السياسة حديث العام والخاص، وبعدما ارتفع الوعي السياسي لدى المواطنين ومعرفتهم لخبايا التسير الحكومي ببلدنا، حتى أضحت مصطلحات سياسية كانت مستعصية الفهم لدا الشارع العام، أضحت سهلة الفهم والمعنى عند جل المغاربة، من قبيل صندوق المقاصة، والموازنة العامة، وعجز الميزان التجاري، والظرفية الإقتصادية، واحتياطات البنك المركزي من العملة الصعبة، بل أصبح يعد مخزونها بالشهور والأيام، ومعدلات النمو السنوية، والأجر مقابل العمل، وحجم ميزانية الدولة؛ وغيرها من مصطلحات اللعبة السياسية التي كانت إلى وقت قريب حكرا على طبقة سياسية ذات لغة خشبية صماء. بعد كل هذا وذاك، ها هو المخزن ومن يدور في فلكه من أحزاب الكارتون، يحاول جاهدا إرجاع الممارسة السياسية إلى ما كانت عليه قبل دستور 2011، بدءا بمحاولة التزوير الناعمة للإنتخابات التشريعية الأخيرة عندما دعم طرف سياسي مخزني بكل الوسائل المشروعة منها وغير المشروعة، وبعد الفشل المدوي له بهذا الخصوص، أردفها بخنق العملية السياسية عبر ما سمي ب " البلوكاج الحكومي " المتعمد، لإزاحة زعيم الهبة الشعبية التواقة إلى التغيير الحقيقي والطامعة في اقتسام عادل لثرواث هذا البلد، ثم أتبعها بحكومة هجينة فاقدة لسيادة قرارها السياسي، حتى سميت لدا العام والخاص بحكومة الذل والإهانة، لتفرز أولى فضائحها عبر تصريح زعمائها المغاوير (المخاوير)، بتخوين أهل الريف ووصفهم بالإنفصاليين والتابعين لأجندة دولية دونما دليل قاطع على هذه الإتهامات الخطيرة. إنه المخزن الذي لا يريد لديمقراطية حقيقية أن تولد، ويسعى دائما وأبدا إلى إخراجها إن هي خرجت في الأصل؛ مشوهة الخلقة، تعاني من جميع الأمراض المزمنة الفتاكة، حتى لا يستفيد الشعب من المقدرات الكثيرة لهذا الوطن، لتبقى وفقط حكرا على المخزن ومن يدور في فلكه. لهذا يا سادة ويا سيدات، ديمقراطيتنا وسياستنا مع تغول المخزن، هي ديمقراطية، وسياسة الخنوع والذل والمهانة.