متابعة، دقة، خبر، تميز، مباشر... العربية أن تعرف أكثر. كلمات ما فتئت تتكرر على مسامعنا، طيلة اليوم ونحن نشاهد قناة العربية الإخبارية. كلمات تحمل رسائل مفادها الحيادية، و الموضوعية، و التحري في نقل الأخبار، لإراحة ذهن المتلقي، وإعفائه من مهمة التنقيح و التصحيح، والبحث في صادقها من كاذبها، ومنقولها من مصنوعها، حتى يصبح أسيرا لكل ما تنقله القناة. هذه القناة التي تحمل على عاتقها رسالة إعلامية تدعي فيها المهنية العالية، والموضوعية الكبيرة، و الحيادية و الشفافية بأعلى المعايير، وكلها كلمات رنانة براقة، تطغى بنورها على الحقيقة المرة والواقع الأليم. ذكرت مصادر، وأوضحت تسريبات، وأكد مراقبون، كلها طرق مخادعة واحتيالية للانتصار إلى رأي مصنوع سلفا، في غرف معدة لصناعة الأخبار، وقلب الحقائق و الأحداث. فما مدى مطابقة تغطية قناة العربية لميثاق الشرف المهني الذي تدعيه؟ قناة العربية هي قناة فضائية إخبارية سعودية، انطلقت في 3 مارس 2003، إبان الحرب على العراق، متخدة منها مادة دسمة، اكتسبت منها الشهرة المطلوبة لتنفذ إلى قلوب الجمهور. تتبع القناة خطة سياسة إعلامية مسطرة في الخفاء، تتماهى و سياسة القوى الكبرى في العالم، من خلال التغطية لصالحها و الكيل بمكيالها، وذلك انطلاقا من الحرب على العراق، مرورا بالحرب على غزة، وصولا إلى تغطية الأحداث في مصرأثناء ثورة 25 من يناير، حيث انحازت القناة إلى النظام وصارت و كأنها بوقا من أبواقه ضد إرادة الشعب المصري. فبدأت تفقد مصداقيتها، لتنهال عليها الإتهامات و الانتقادات، من كل متتبع للشأن الإعلامي في عالمنا العربي، لفضح مخطاطتها الرامية إلى تمرير أفكار و أخبار على حساب أخرى، و لمصلحة معينة، ضاربة بكل المواثيق العربية و الدولية عرض الحائط. بعدما ظلت زمنا طويلا تخدع كثيرا من الناس، باعتمادها الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة، إلا أن السياسة والعلاقات الدبلوماسية أظهرت زيف هذه الدعاوى و بطلان تلك المزاعم، فلا حقيقة تعنيها أكثر من تلميع صورة أمريكا و حليفتها إسرائيل عند العرب و المسلمين. و هذه الحقيقة لم تعد خافية على أحد، وتوضح قيمة التخطيط المستقبلي عند الغرب حين خططوا لهذا التوجه سنوات خلت، مركزين على الإعلام لسهولة تمرير الأفكار عبره، على حد قول أحد زعمائهم:"أعطوني قلما و شاشة أغير لكم بها وجه العالم". نعم لا أحد ينكر قيمة الإعلام في الإصلاح و الإفساد عبر الرسالة التي يحملها، فإما رسالة بناءة، موضوعية، حيادية، شريفة، تروم الإصلاح وتدعو إليه، وإما ضدها وما أكثر قنوات الفساد و الإفساد. وما الأحداث الأخيرة التي تشهدها الساحة المصرية إلا خير دليل على صحة هذا الطرح، فمنذ ثورة 25 من يناير و قناة العربية تغرد خارج السرب، بقلبها للوقائع والأحداث، بتزييف حقيقيها و وتحقيق زائفها. فقد هاجم الناشط في حركة 25 يناير وائل غنيم قناة "العربية" واتهمها بارتكاب خطأ مهنى وغير محترم على حد وصفه. معتبرا بثها لمقابلة أجرتها معه قبل تنحي الرئيس بعد تنحيه، قلبا للحقائق ومحاولة لإلهاب الشارع المصري، بكلام غير حقيقي. وقد رد عليها جمع من العلماء معتبرين منها قناة صهيونية، تروج الكذب الصراح و تنتصر لقضايا زائفة على أخرى حقيقية. فقد انتقد الداعية الإسلامي الشيخ عبدالعزيز الطريفي، ما تقدمه قناة "العربية" من محتوى، وقال إنها تركز على قضايا معينة دون أخرى، وهو ما يتنافى مع الأداء المهني. و كتب في تغريدة له على صفحته الشخصية على موقع "تويتر" في إشارة منه إلى نوعية عدد من الضيوف الذين تستضيفهم، قائلاً: "لو كانت قناة العربية في زمن النبوة ما اجتمع المنافقون إلا فيها، وما أنفقت أموال بني قريظة إلا عليها". هذا وقد وصف الشيخ محمد العريفي فضائية العربية بأنها "قناة صهيونية لا يسمع لها". ولم تتوقف القناة عند هذا الحد، بل زادت هجماتها على مصر معتبرة الإنقلاب العسكري على الشرعية ثورة ثانية على حد زعمها. وقد أوقعها حالها هذا في الكذب الصراح على الإخوان المسلمين بعرض مقاطع وصور مفبركة إعلاميا، اتضح لاحقا زيفها و خداعها. كل هذا ليعرف المتتبع العربي المسلم قيمة الصدق و مساحة ميثاق الشرف المهني عند قناة العربية، ومدى التزامها بالمواثيق العربية و الدولية التي تنظم قطاع الإعلام. ميثاق شرف الاتحاد الدولي للصحافيين: . إلتزام الصحفي بمبادئ الموضوعية والحياد في نقل ونشر الأخبار وجعل احترام الحقيقة وحق الجمهور في الوصول إليها هو أولى واجبات الصحفي. والقناة بهذا المنحى تتبع منهج التحيزو اللاموضوعية، متلاعبة بحق الجمهور في الوصول إلى الحقيقة. ميثاق الشرف الإعلامي العربي: *المادة العاشرة: . تعميق روح التسامح والتآخي ونبذ كل دعاوى التحيز والتمييز والتعصب أيا كانت أشكاله، وطنياً أو عرقياً أو دينياً، والامتناع عن عرض أو إذاعة أو بث أو نشر أية مواد يمكن أن تشكل تحريضاً على العنف والإرهاب والتطرف . هذه المادة أخذتها القناة معكوسة، لتأتي ممنوعها وتبتعد عن مأمورها. *المادة الحادية عشرة : . الامتناع عن وصف الجرائم، بكافة أشكالها وصورها، بطريقة تغري بارتكابها أو تنطوي على إضفاء البطولة على الجريمة ومرتكبيها أو تبرير دوافعها، أو منح مرتكبيها والمحفزين عليها أو المروجين لها فرصة استخدام وسائل الإعلام منبراً لهم. العربية تتخذ من المصالح و الدوافع السياسية منطلقا للحكم على هذه الجرائم، فمرة تصف الشهداء بالقتلى و العدوان بردة الفعل، والإنقلاب بالثورة و الشرعية بالاستبداد، وفي هذه الأيام تصطفي أحلى الكلام لمدح الإنقلابيين واصفة إياهم بالثوار الشرفاء الذين أكملوا ثورة 25 من يناير، وتمدح الرئيس المصنوع و كافة أفعاله. بينما الحدة و السلاطة في اللسان على أصحاب الشرعية، الإرهابيين على حد قولها، مضفية بذلك ثوب البطولة على الجريمة للإغراء بها بتبرير دوافعا، موفرة منبرا منفرا لأصحاب هذا الجرائم دون غيرهم. * المادة الحادية والعشرون : . الالتزام بالقيم الدينية والأخلاقية للمجتمع العربي ومراعاة بنيته الأسرية وترابطه الاجتماعي . لا دين يهم قناة العربية إلا دين أسيادها و مسييريها، إرضاء لهم على حساب ثوابت المجتمع العربي و قيمه، وترابطه الأسري. وهذه دعوة للقناة لمراجعة أوراقها، وحساباتها، متخذة من احترام الجمهور، والدقة، والمصداقية، والموضوعية في نقل الأخبار، بما يشمله ذلك من عدم الانحياز لجانب على حساب الآخر منهجا إعلاميا لسيرها. وليس العيب في الخطأ، إنما العيب في التمادي فيه، بعد معرفته، والإحاطة به، وليراقب القائمون على القناة الله في كل أمورهم، و الله الهادي إلى سواء السبيل. وما من كاتب إلا سيفنى ... ويبقى الدهر ما كتبت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء ... يسرك يوم القيامه أن تراه