السنة الثامنة عشرة وما بعدها هي مرحلة البلوغ والنضج والرشد عند الإنسان، ولكن (حركة التوحيد والإصلاح) برهنت على أنها كانت بالغة راشدة ناضجة منذ ولادتها. فالوحدة الاندماجية التي أسفرت عن ميلاد الحركة، وكيفية إنجاز تلك الوحدة، وكذا الخطوات التأسيسية الراسخة لما بعد الوحدة، ثم الإنجازات المتواصلة إلى الآن...كلها شاهدة على أن حركة التوحيد والإصلاح لم تكن بحاجة إلى 18 سنة لتبلغ سن الرشد، وإنما ولدت راشدة بفضل الله وتوفيقه، ولكنها تزداد رشدا عاما بعد عام. وقد أصبحت مدرسة نموذجية في نهجها التوحيدي وفكرها المتوازن، وفي تجربتها التنظيمية، ومنتجاتها التربوية، ومخرجاتها السياسية... فالحمد لله على ما وفق وهدى. غير أني، وكما أشرت في كلمتي أمام الجمع العام الخامس قبل ثلاثة أسابيع، أحب التحدث عن النقائص والسلبيات والمحاذير، أكثر مما أحب التحدث عن المفاخر والإنجازات. حركة التوحيد والإصلاح عادة ما تصف نفسها بكونها حركة دعوية، وقد حددت وظائفها الأساسية في ثلاث هي: الدعوة والتربية والتكوين. ولكني أرى الوظيفة الأولى على وجه الخصوص ما زالت ضعيفة باهتة ضمن أعمال الحركة. والأثر الدعوي للحركة داخل المجتمع لا يكاد يُرى، بينما صداها السياسي والثقافي أصبح ملءَ السمع والبصر. إن التحديات التي تواجهها الحركات الإسلامية، والمجتمعات الإسلامية، تحتم تقوية الوظيفة الدعوية، والإبداع في وسائلها وأساليبها ومحفزاتها. وقريبا مما سبق: أرى أن حركتنا فاشلة إعلاميا، فليس للحركة أي مشروع إعلامي ناجح وفعال، ويتناسب مع قدراتها ومكانتها وما هو مرجو منها. وأخيرا يبدو لي أن هذه الحركة التي تؤمن بالاندماج في بيئتها، وبالانفتاح على مجتمعها ومحيطها، ما زالت خطواتها في هذا الاتجاه محتشمة متعثرة. وما زالت النزعة الانتقائية والنخبوية غالبة عليها. وأنا أدرك أن هذه السلبيات وغيرها، ترجع إلى "أسباب وراثية" قديمة أو حديثة، ولكن حركة تعتز وتتمسك بكونها حركة تجديدية ترشيدية، لا بد لها من تجاوز هذه الآفات والتحرر منها.