اعرفْ شخصيتك في مختبر غزة، هل أنت كريم أم ابن أنبوبة؟ أصلك إنسان، أم حرباء من طفرة انقلاب؟ وقع الإعلام العربي في حيص بيص، فلا يمكن تجاهل غزة، وفضائية ABC الأميركية تعتذر لمشاهديها عن الخطأ الذي ارتكبته بحق الفلسطينيين، عندما جعلت الضحية جلاداً. جون ستيورات اليهودي، صديق باسم يوسف المتقاعد، نفسه يسخر من "نور عينينا" الذي يعمل بصفة غفير عند حضرة العمدة الإسرائيلي! غزة ليست حلب التي تُدمَّر بالبراميل، على الهواء مباشرة، ليست غزة أكبر من سورية، وإنما هي على الجبهة الأولى، وهو ما يثير عطوفة الناطق السابق باسم جيش "الهجوم" الإسرائيلي، فيستنكر على فضائية الجزيرة، الممنوعة في سورية، وتركيزها على غزة، ونسيان سورية المسكينة! الأسباب كثيرة: لأنّ العدو هم "اليهود"، هم أبناء الغرب والحداثة، فغزة صغيرة، لكنها تمتد من المحيط إلى الخليج، وتحارب ربيبة الغرب، ولأنّ الضحية عمرها أكثر من ستين سنة، ولأنّ معادلة الأواني المستطرقة مربوطة، أيضاً، بين الضحية والجلاد، وإن كانت بطيئة، ولأنّ الصراع يمتد إلى فجر التاريخ، وسقف السماء. بينما في سورية، تتساقط البراميل مطراً بانتظام مع زخات رعدية كيماوية من الكلور المسموح به دولياً! يتلعثم كيري، ويسخر من الدقة الإسرائيلية في إصابة الهدف، فتفرح فضائيات البترول كولا، وتجد مادة إعلامية، بل إنها تتسلح بها، لكي تنتقد اسرائيل "الحبيبة". فضائيات الفرس الناطقة بالعربية تواظب على مزاولة فن التغريب والترفيه والسياحة النضالية، فتحتفل براشيل كوري، رحمها الله طبعاً، وفي غزة ضحايا ينزفون على الهواء، وينزف فيها الهواء، وتصرّ على تجاهل "حماس"، فتشتت اللعب، بأكثر من وسيلة، كالتركيز على "الفصائل": أبو علي مصطفى، سرايا القدس، كتائب القسام .. فاسم حماس يجلب النحس، ويثير الغيظ والحسد! حماس في الفضائيات السورية والمصرية اسمهم "الإخوان". فضائيات أبو جهل العربي مشغولة لا تزال بالتحذير من غسل الفروج قبل الطعام، وفيديو الطفل عباس، الذي بثّ ليومين، عله يحمي ظهر إسرائيل، جعل مذيعات التمساح يوشكن على البكاء. الفضائيات إياها تجنبت بيان إعلان كتائب القسام أسرَ جندي إسرائيلي، وكأنه أمير من الأسرة المالكة، وتكرر تكذيب الخبر. عيون فضائيات السرداب اللبنانية فيها عودٌ، لعلها تشعر بالخزي؟ فقد بات بطل المقاومة الأوحد مغموراً ومجهولاً، فهو يدافع عن مرقد زينب. ماذا لو أعلن نتنياهو أنه يدافع عن مرقد داود؟ فضائيات المقاومة والممانعة تجتهد في دعوة حماس إلى التوبة والعودة، في باصات النقل الداخلي (طريق مزة جبل في دمشق) إلى محور المقاومة والممانعة الممتد إلى المنطقة الخضراء وبلاط أنوشروان، بعد أن ضلّت سواء السبيل، وهي تحمد معجزة "المبادرة المصرية"، وتندد بقطر وتركيا اللتين تسعيان إلى ركوب القضية، للمتاجرة بها. صاحب السعادة، والكاميرا الخفية وسرايا عابدين مستمرة على بقية الفضائيات، والعرب معجبون بكبرياء عمر المختار الثاني الذي تعرض إلى مقلب من محمد فؤوش، فنجا من الأسر، وطلب محامياً: ولا ندري، هل نفرح بنجاته، أم ننشد مع شاؤول: أراك عصيّ الدمع؟ أما فضائيات الانقلاب فمشغولة بمبادرة الكفتة التي تعبّر عن دور مصر الإقليمي. حتى أبناء صلاح الدين الأيوبي (أغلبهم ينكرونه، الآن، لأنه خانهم، ولم يبن لهم دولة قومية!) يقارنون غزة بكوباني، كما قارن زعيمهم مسعود البرزاني القدس بكركوك، وليس في كركوك مسجد أقصى، وليس في القدس بترول مقدس! لم تنجح مبادرة الكفتة، مع أنّ الجميع يثنون على طعمها اللذيذ، ويريدون حقن الدماء التي هي في رقبة حماس طبعاً! أين الأزهر؟ لعل شيخه "الأكبر" مشغول بمبادرة الديّة الشرعية، ويطوّرها، ويعرض على إسرائيل مثلها، ولا أعتقد أنها ستنجح، إلا بعد المرور على فلاتر ثلاث. أما صواريخ العيد الكرتونية، فإسرائيل وأميركا تطالب بنزعها، وكأنّ الكرتون سلاح محرم دولياً. لم تصبح أرض إسرائيل من الفرات إلى النيل، بعد، مع أنّ رجالها يملؤون الفضاء العربي والأرض العربية. أرض العرب غنية بالأنعام والكنوز الاستراتيجية، ونخشى أن تنكس الأعلام في دولة عربية، أو اثنتين، حزناً على "شهداء".. إسرائيل؟ كاتب سوري العربي الجديد