لم يكن يدور بخلد هذا الفتى المصري، ابن الأسرة القروية البسيطة المكونة من فلاح وربة بيت، والقاطنة في قرية "العدوة" بمحافظة الشرقية، أنه سيتحول في يوم من الأيام إلى أول رئيس منتخب بشكل ديمقراطي ونزيه لبلد هو أم الدنيا، ويجد له موطئ قدم في قصر كان، إلى وقت قريب، حكرا على البهوات والبشوات من الأسر الأرستقراطية. ولم يكن يعتقد هذا الفتى الصعيدي، وهو يساعد أباه في أعمال الحقل، أنه سيتحول إلى أيقونة للديمقراطية، يشار إليها بالبنان ليس من جزء كبير من شعب مصر فحسب، بل ومن كل أنحاء العالم، بعد انقلاب عسكري حوله إلى بطل ووضع الانقلابين في موقف لا يحسدون عليه! رأى محمد مرسي عيسى العياط النور في قرية "العدوة" في ريف مصر في 20 غشت 1951، وترعرع في حضن أسرة فلاحة بسيطة. وظهرت بوادر القيادية والتفوق في مرسي منذ الصغر، فقد تفوق دراسيا في مرحلة الدراسة الابتدائية بمحافظة الشرقية، وتابع مشوار تفوقه الدراسي في الهندسة بجامعة القاهرة فحصل عام 1975 على بكالوريوس الهندسة بامتياز، ثم على الماجستير عام 1979، ليستكمل دراسته بجامعة كاليفورنيا عبر منحة جامعية ليأتي منها بدكتوراه في ذات التخصص عام 1982. سيعود بعدها محمد مرسي إلى بلاده حيث سيعمل معيدا ومدرسا مساعدا بكلية الهندسة التي تخرج منها، قبل أن يتجه من جديد إلى جامعة كاليفورنيا ليس للدراسة هذه المرة بل للتدريس بها كأستاذ جامعي مساعد لمدة أربع سنوات، ليعود من جديد إلى مصر لرئاسة قسم هندسة المواد بكلية الهندسة بجامعة الزقازيق، وهي المهمة التي شغلها إلى حدود سنة 2010. وامتدت تجربته في ممارسة التدريس الجامعي إلى جامعات عريقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ككاليفورنيا ولوس أنجلس، وجامعة الفاتح في ليبيا، كما عمل أيضا لدى وكالة ناسا الفضائية الأمركية. في حضن الإخوان والعمل السياسي علاقة مرسي بالعمل السياسي ستبدأ مع الإخوان المسلمين سنة 1979، حيث اختير عضوا بالقسم السياسي بالجماعة منذ نشأته سنة 1992. ومنذ هذا التاريخ بدأت شخصية محمد مرسي، الرجل السياسي، تتشكل وتبرز للعيان، فقد رشحه الإخوان لانتخابات مجلس الشعب عام 1995، ثم عام 2000 حيث نجح في الدخول إلى مجلس الشعب وأصبح المتحدث الرسمي باسم الفريق البرلماني للإخوان. واختير عضوا بلجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية وعضوا بالمؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وساهم إلى جانب آخرين في تأسيس اللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني، كما شارك في تأسيس الجبهة الوطني للتغيير مع الدكتور عزيز صدقي سنة 2004، وتأسيس التحالف الديمقراطي من أجل مصر المكون من 40 حزبا وتيارا سياسيا سنة 2011. وانتخب إثر تأسيس حزب "العدالة والحرية" رئيسا له في 30 أبريل 2011. خلف القضبان نصرة للقضاء محنة التضييق والسجن ستساهم في صناعة شخصية محمد مرسي في طريقه نحو رئاسة أم الدنيا، فقد اعتقل سنة 2006 وقضى سبعة أشهر في السجن، بمعية 500 فرد من جماعة الإخوان المسلمين، بعدما خرجوا في مظاهرات منددة بنقل المستشارين محمود مكي وهشام البسطاويسي إلى لجنة الصلاحية بعدما عارضا تزوير انتخابات مجلس الشعب لعام 2005. واعتقل هو وثلة من الإخوان مرة أخرى في سجن وادي النطرون صباح جمعة الغضب خلال ثورة 25 يناير التي أطاحت بنظام حسني مبارك، وذلك بهدف منعهم من المشاركة في جمعة الغضب لما لهم من قيمة ومكان اعتبارية وقيادية لدى جحافل المتظاهرين المطالبين برحيل حسني مبارك. ورفض محمد مرسي إذاك مغادرة زنزانته بعدما قام المتظاهرون بتحرير السجناء، وطالب حينها من الجهات القضائية، عبر وسائل الإعلام، بالانتقال إلى السجن والإفصاح عن موقفهم القانوني من اعتقاله، وغادر السجن لما لم تصل أية جهة قضائية إلى حيث هو مسجون. على كرسي الرئاسة وبعد سقوط نظام حسني مبارك، أصبح المجال مفتوحا لمشاركة جماعة الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية بعدما كان محرما عليها، فدفع حزب العدالة والحرية، الجناح السياسي للجماعة، بخيرت الشاطر مرشحا أساسيا ومحمد مرسي احتياطيا. سترفض لجنة الانتخابات الرئاسية المشكلة من القضاة الشاطر، فدفعت الجماعة بمحمد مرسي في سباق من أجل الظفر بأسمى منصب في الجمهورية المصرية. سيتصدر مرسي نتائج التصويت بفارق بسيط عن مطارده أحمد شفيق، أحد أعمدة النظام السابق، غير لا أحد منهما حصل على نسبة تفوق 50%، ليضطر المرشحان إلى خوض جولة ثانية وضعت الدكتور محمد مرسي على كرسي رئاسة الجمهورية المصرية بعد حصوله على نسبة 51.7% من أصوات الناخبين المصريين. وكان بذلك أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا وبنزاهة وشفافية في انتخابات شدت أنظار العالم وجعلت أكثر من خصم للإخوان المسلمين خاصة، ومصر عامة، يضعون أياديهم على قلوبهم. تسلم مرسي مهامه رسميا في 30 يونيو 2012 حيث قام بأداء اليمين الجمهوري أمام المحكمة الدستورية العليا بالقاهرة. صمود في وجه الانقلاب بعد سنة من حكمه، سيستغل الجيش المصري برئاسة وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي مدعوما بأنظمة الخليج "الكارهة" للإخوان المسلمين، (سيستغل) مظاهرات دعت إليها المعارضة من جبهة الانقاذ وحركة تمرد في 30 يونيو 2013، ليصطف في صف المعارضة وينقلب على محمد مرسي ويعلن، في خطوة أثارت استغراب المجتمع الدولي وأدانها وما زال جمع غفير من المصريين وكثير من العواصم العالمية، يوم الثلاثاء 02 يوليوز، عن عزل الرئيس محمد مرسي عبر البيان الذي وصف ب"المشؤوم" وباركه شيخ الأزهر ومطران مسيحي وممثلون من جبهة الإنقاذ المعارضة وممثلون عن حزب النور بالإضافة إلى عبد المنعم أبو الفتوح الذي سبق أن شارك ضد مرسي في سباق الرئاسة. ملايين خلف الرئيس لم يكن يعتقد الجيش المصري، ومن اصطف في صفه، أنه بإقدامه على هذا الفعل يضيف زهورا أخرى إلى باقة محمد مرسي، فلم يكد عبد الفتاح السيسي ينهي تلاوة بيانه الانقلابي حتى احتشد آلاف المؤيدين لشرعية الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي والرافضة للانقلاب العسكري، لتنضم إليها جحافل أخرى من مختلف المحافظات المصرية، حتى أصبحت وكالات إخبارية عالمية تتحدث عن أزيد من 30 مليون شخص، وهو العدد الذي قالت المعارضة أنه خرج للمطالبة برحيل محمد مرسي. لتتوزع العواصم الدولية بين من باركت الانقلاب العسكري وهنأت "الرئيس الجديد"، وهي معدودة جدا على رؤوس الأصابع خصوصا الخليج والمغرب، ومن نددت بالانقلاب العسكري واعتبرته انقلابا على الديمقراطية وهي كثيرة، فيما عبرت أخرى بلهجة أقل حدة عن قلقها اتجاه ما جرى بمصر وما سيجره من أعمال عنف، وأمسكت العصا من الوسط خوفا من أن تجد نفسها في ورطة إذا ما عادت الشرعية عبر عودة الرئيس المصري محمد مرسي. إن عدم استسلام الرئيس محمد مرسي لضغوط العسكر لتقديم استقالته أو الرجوع إلى منصبه بصلاحيات محدودة، في محاولة من الجيش للتخفيف من تبعيات الورطة التي وضع نفسه فيها، وإصراره، أي مرسي، على أنه ممثل الشرعية ومستعد أن يقدم دماءه فداءا لها، والتفاف الملايين من المصريين حول شرعيته، وانضمام آلاف من أنحاء العالم إلى المطالبين بعودته، كل هذا جعل من محمد مرسي محط متابعة دولية كممثل للديمقراطية والشرعية وأيقونة للربيع العربي الذي أطاح بأنظمة ديكتاتورية عتيدة!