الصدفة لا تجمع المتناقضات في خندق واحد، والعقل لن يستوعب بسهولة وجود جريدة "الصباح" وموقع "هسبريس" وموقع "فبراير كوم"، وموقع "لكم"، وموقع "كود" و"زنقة 20″ في خانة واحدة تجمعها الغيرة على أراضي الأملاك المخزنية، والكل يتابع كيف كان جزء من هذه المنابر الإعلامية يضرب جدارا من الصمت في قضايا أكثر تعقيدا، لكنها ظلت صامتة لصلة تلك القضايا بنافذين أو أجهزة يشكلون جدار الإسناد لهاته المنابر. إنها أولى الدفوعات التي يمكن أن تسقط ما ذهب إليه بيان وزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية، حين حاولا إلصاق تهمة تسريب عقد يكشف تفويت بقعة أرضية لوالي الرباط بثمن زهيد لحزب العدالة والتنمية لمزا، وهنا تبدأ الأسئلة، من له المصلحة في توسيع دائرة التسريبات، لتشمل كل من شملت؟ الفرضية الأولى تضع الجهة التي تحرك إلياس العماري في قفص الاتهام، وقد تكون الغاية الأولى لهذه الفرضية من عملية تسريب لوائح المستفيدين إنقاد الحليف الاستراتيجي في العاصمة، والي الرباطسلاالقنيطرة، من التواجد وحيدا في الزوبعة، وردا للجميل، بعد قيام عبد الوافي الفتيت بأكبر عملية "بلوكاج" تستهدف الأجهزة المنتخبة في المدينة، وعلى رأسها مجلس المدينة بقيادة حزب العدالة والتنمية، واستحواذه على صفقات التهيئة التي قام بتمريرها لقياديين في حزب الأصالة والمعاصرة، وقيادته عملية تسريب المعطيات المتعلقة ب"ريضال"، وبعدما كان اليد المنفذة لمخطط متابعة العمدة عن طريق الوكالة القضائية. وقد تكون الغاية الثانية لهذه الفرضية، تعميم التسريب ليطال مسؤولين آخرين، لإقناع رئيس الدولة بما كانت تذهب إليه التقارير الإعلامية الموجهة، وهي أن حزب العدالة والتنمية أصبح مزعجا بشكل كبير، وبالتالي تقديم التبريرات الكافية لدوافع استدعاء آليات تقليم الأظافر وتنزيل العتبات والتحكم في الانتخابات.. أما الفرضية الثانية فتذهب أبعد من ذلك، وتتساءل عما يجري فعلا؟ هل هو صراع الأجهزة وعودة الدسائس إلى ذروتها؟ يجد هذا التساؤل إسنادا قويا من المعطيات، ذلك أن الجهة التي تدفع بإلياس العماري إلى الواجهة، قد تجد نوعا من الحرج في إخراج أسماء وازنة في اللوائح المسربة، ولا يمكن أن نتصورها تطلق النار على قدميها، لإنقاذ الوالي لفتيت من الغضب الشعبي، وهنا ترجح فرضية صراع الأجهزة. ذلك أن جريدة "الصباح" التي أخرجت افتتاحيتها الأولى مدافعة عن "خدام الدولة"، أخرجت تقريرا مفصلا يوم الخميس 28 يوليوز الجاري، بعنوان "خدام الدولة…شجرة تخفي غابة الامتيازات"، تحدثت فيه عن لائحة المستفيدين من البقع الأرضية، وسلطت الضوء على استفادة محمد حصاد ومحمد بوسعيد وفؤاد عالي الهمة من هذه البقع، وختم التقرير بعبارة واضحة تقول :"واستفاد قادة وزعماء الأحزاب السياسية من ريع الرباط الذي ضرب في العمق اقتصاد البلاد الراغبة في الانتقال إلى نادي الدول الصاعدة". قد لا تساعد المعطيات الحالية في كشف دقيقة للجهة المنفذة لعملية التسريب، لكن يبدو أن الغاية الأولى في إنقاد الوالي لفتيت من الزوبعة قد بدأت تتحقق، بعد هروب الجدل في الفضاءات العامة من الغضب على لفتيت إلى الغضب على المتساقطين في "طريق زعير" في انتظار أن تكشف الأيام على مزيد من المعطيات وعلى من قام أيضا بعملية التسريب، وما كان الهدف منها.