زاهية أيامنا بشفائك من عتمة اليأس يطل الأمل نابضا بالحلم·· من حرائق المشاعر أمام هول ما نسمع وما نرى وما نصدم به من أخبار مزلزلة تنبث زهرة جميلة تعطر المكان وتزهر بها القلوب·· في خضم إرتطام الذاكرة بصخرة الوجع تطل بارقة ضوء، يولد نيزك ويستهيم العبير وتكتمل أغنية الفرح·· كان دوي الأخبار الحزينة قويا عندما هاتفني الدكتور بولنوار يدعوني لملتقى علمي انعقد مساء أمس الأحد بالمركز الرياضي للقوات المسلحة الملكية، كان هاجسه هو إبراز دور وقاية الفم والأسنان في تأهيل الرياضيين لتحقيق إنجازات بمقاس عالمي، وختم مكالمته بأن أحالني من خلال الهاتف على صوت أحفظ تضاريسه مثلما أحفظ خارطة القلب·· كان الصوت الندي في ذاك الصباح الماطر هو صوت الدكتور بوجمعة الزاهي الذي تربطني به وشائج ومشتركات أهمها الوفاء للشخص والوفاء للمبادئ والوفاء لقيم الصداقة حتى تلك التي قيل أن العرب نطقتها خطأ·· ما أسعدني حقيقة أن الصوت العابر مثل ومضة الفرح، بدد بداخلي هموما وهواجس ومخاوف كثيرة، فالرجل كما نعرف تعرض قبل أكثر من شهر لوعكة صحية معقدة، أدخلته في غيبوبة، ألزمته الفراش لأربعة أسابيع، وما زالت تفرض عليه حتى اليوم الإنصياع بإرادة كاملة لأوامر طبية غاية في الصرامة·· وكان مثيرا أن أسمع وأنا أزور الدكتور بوجمعة الزاهي ما ضبطته ذاكرته في اللحظة التي شعر فيها بأنه دخل بترتيب من القدر في نفق المرض والغيبوبة·· كان الرجل بما عرف عنه من أريحية في تبليغ رسالته العلمية، يلقي وسط ضباط كلفوا بالإشراف على الممارسة الرياضية في مجموعة من الثكنات العسكرية درسا توجيهيا عن بعض أوجه الإسعافات الأولية التي يستطيعها أي مؤطر عند مواجهته لبعض الحالات المترتبة عن الإجهاد عند الممارسة، عندما شعر بحالة غير مألوفة تبدأه من قدميه·· ببداهة الطبيب العارف طلب من ثلامذته إخلاء كنبة، تمدد عليها تماما كما كان يشرح لتلامذته، وطلب الإتصال بدكاترة وأشخاص، لأنه كان قد حدس أنه يتعرض لنزيف في المخ· يذكر الدكتور الزاهي أنه تحدث لمن كان يثق فيهم، بل أنه بقدرة من الله عز وجل أبلغهم ما عليهم فعله، وسقط مغمى عليه، أفاق في شبه صحوة عابرة والبروفسور بوستة الإختصاصي في جراحة الدماغ يقف عند رأسه، قال له توكل على الله ودخل في غيبوبة، قال أنه لم يفق منها إلا وقد مر شهر كامل على الجراحة الدقيقة التي أجريت على رأسه لعلاج النزيف الداخلي الذي تعرض له· قضت حكمة الله عز وجل أن يمد في عمر الدكتور بوجمعة الزاهي إستجابة لدعوات كثير ممن عاشرهم وأحبهم وأخلص لهم، وكان بأريحية نادرة في التعامل مع كبيرهم وصغيرهم وأيضا تثمينا للدور الذي يلعبه الرجل بكامل العفوية والتلقائية في حياة أناس كثيرين· يلهج لسان الدكتور الزاهي ويلهج لساننا نحن من أحببناه وما زلنا بالشكر والحمد على أن من الله عليه بالشفاء، وعلى أن أمد جل جلاله في عمره الذي يراه دائما مكرسا لأداء رسالته العلمية·· عرفت ما استهدف الدكتور بوجمعة الزاهي من حملات شعواء وما أطلق صوبه من عيارات طائشة من أناس همهم الوحيد هو محاربة النجاح، وعرفت ما هضمه الرجل من مكائد، ولكن ما يثبت عندي أن الرجل ظل دائما وفيا لضميره المهني، لتربيته الأصيلة التي تحفظ الود وتصفح ما دون ذلك·· ما هو ثابت عندي أن الرجل أفاء الله عليه بنعمة الحب والوفاء والإخلاص للناس وللإنسانية وللأمانة، وبقدر ما نشكر الله ونحمده أن أبقاه بيننا عنوانا للصفاء والنقاوة، بقدر ما نسأل له من صميم القلب مزيدا من التعافي ليظل لنا أملا نطرد به اليأس، ونورا نضيء به العين·· ----------------- ما أهمية وقاية الفم والأسنان في الوسط الرياضي؟ حاجتنا إلى طرح هذا السؤال، هي بذات قوة حاجتنا إلى أن نمنح للطب الرياضي ما يستحقه في تفكيرنا وقانوننا الرياضيين من مساحات لتحقيق الجودة المطلوبة في ما ننتجه رياضيا·· غيرنا أدرك هذه الأهمية الإستراتيجية فألحق في كثير من الهيئات والنوادي طبيبا للأسنان بالأطقم الطبية، وعرفت ما يتمتع به طيب الذكر الدكتور بوجمعة الزاهي من إستباقية بخاصة عندما أحدث داخل الوحدة الطبية داخل المركز الرياضي العسكري خلية خاصة بطب الأسنان يشرف عليها بكامل الجدارة والكفاءة الدكتور محمد بولنوار، الدينامو المحرك لمبادرة الملتقى العلمي الذي انعقد أمس الأحد بالمركز الرياضي العسكري بحضور خبيرين فرنسيين وكبار أساتذة الطب المغربي، والذي أوضح الدور الإستراتيجي لوقاية الفم والأسنان في حياة الرياضيين· وحتى أضعكم في صورة استراتيجية هذا الدور أقص عليكم ما كان قد حدث مع الدولي المغربي السابق السماحي التريكي الذي كان يلعب ما بين سنوات 1994 و1998 مدافعا إلى جانب نورالدين نيبت·· كان السماحي التريكي المحترف وقتها بفرنسا ينادى عليه داخل الفريق الوطني، ولكنه كان يشكو بشكل متواثر من إلتهابات في الطنب، ما كان يغيبه عن كثير من المباريات·· أثارت هذه الإلتهابات إنتباه الدكتور الزاهي وكان وقتها المشرف على الفريق الوطني، فلاحق التريكي بالعديد من الفحوصات، إلى أن قاده حدسه لإخضاع اللاعب لفحص على أسنانه وفمه، فتبين أن هناك إختلالات وجب علاجها وكانت نتيجة لتسوس بعض الأسنان، وعندما تم التصدي لها زالت الإلتهابات وأصبح التريكي معافى بكامل لياقته·· الأمر ذاته حدث مع علي بواب مدافع الجيش الملكي الذي طار ذات يوم إلى بلجيكا، وحدث مع لاعبين آخرين، ما يدعو الجامعات والهيئات الرياضية إلى مراعاة هذا المستجد، وما يدفع أطباء وجراحي الفم والأسنان للإنتظام داخل جمعية وطنية لتقديم ما هو منتظر منهم من إضافة للإرتقاء بالفعل الرياضي المغربي·