تتحجر الدموع في مأقي كل البرشلونيين، وتطفو على شفاه المدريديين ضحكة الشماتة لسقوط أجمل وأروع قطعة في فيسفساء الغريم، ويتبارى الإعلاميون في نسج السبق الصحفي مع السقوط المؤلم للبرغوث ليونيل ميسي واستبداله في الثلث الأول لمباراة فريقه أمام لاس، فقد اقتيد ميسي على عجل لإحدى المصحات ليكشف بعد ذلك عن تمزق في الأربطة يستوجب التوقف لثمانية أسابيع عن العزف. وبعد أن تأكد الخبر وزالت كل الفقاعات التي نشرها من حولنا الصحفيون الإسبان، كان هناك أمران إثنان، أولهما حالة الفزع التي أصابت عشاق الكرة الجميلة الذين يهرعون بكل جوارحهم لمشاهدة المعزوفات الخارقة لميسي، وقد تأكد خلو الستين يوما القادمة من الصدح الجميل والملائكي لميسي وثانيهما للوجه الذي يطل به برشلونة في غياب من نقول عنه دائما أنه العنوان الأبرز لكل الملاحم الكروية الكاتالونية في آخر ثمان سنوات وأنه الرقم الصعب في معادلة ما تأتي به البارشا من أداء يعجز كل وصف. إنقسم الناس شيعا في تحديد مركز الثقل لليونيل ميسي في كوكب برشلونة الذي بات ضوؤه النيزكي يغلب على ما عداه أضواء تأتي بها كواكب أندية أخرى، فمن يقول أن ميسي هو بالمطلق رمز هذه الملحمية التي تقترن ببرشلونة في العقد الأخير وحتما إن غاب ستجف الأقلام وستطوي الصحف، ومن يقول أن ميسي قد يكون صاحب ومضات سحرية ولكنه ليس هو كنه هذه الفلسفة الكروية التي أطلقها برشلونة في العشرية الأخيرة ليحدث إنقلابا نوعيا في المنظومات التكتيكية، ومن يقول أن ميسي برشلونة هو غيره ميسي الأرجنتين، وأن هذا الإنفصام الغريب في الشخصية الإبداعية يجب أن يكون محور دراسة وتدقيق. في المرات الأخيرة التي غيبت الإصابة ميسي عن برشلونة سواء على عهد غوارديولا أو على عهد مارتينو ومن دون حاجة للإستدلال بالأرقام، شعر الكل بأن رجة قوية حدثت على مستوى الأداء وعلى مستوى المردود برغم وجود كل العناصر التي كان يرفقها برشلونة بالخلطة السحرية التي كانت هي أصل وقاعدة التيكي تاكا، في مباريات كثيرة تقلص الأداء وحدث شبه خسوف في المنظومة، ولما عاد ميسي معافى من إصابته مع ما كان يرافق باستمرار غيابه وعودته من جدل داخل الصحافة الإسبانية، كان أداء برشلونة ينتعش بشكل لا يترك مجالا للشك في أن ميسي مهم للمنظومة التكتيكية ومهم لبرشلونة ومهم للبريق التكتيكي الذي يبرع برشلونة في إرساله ليطفئ لظى المنافسين. قلت وقال الكثيرون غيري أن لاعبا خارقا مثل ميسي يتمناه كل مدرب في فريقه، وأن برشلونة محظوظة بأن يكون العمل القاعدي أكثر من الصدفة قد خصها بهذا النيزك الجميل، ولكن حيال كل هذا كان لابد وأن تتهيأ برشلونة لمثل هذه الطوارئ التي يرمي بها القدر، فتجعلها مفتقدة للبدر، حتي لا تصبح دنياها بعد غيابه مظلمة، شديدة السواد والوجع.