هل ماتت التيكي - تاكا؟ يشغلنا اليوم مناصرين للبارصا أو عاشقين لكرة القدم الجميلة أو مؤرخين للثورات التكتيكية التي تغير وجه كرة القدم ما يقع لنادي برشلونة الإسباني الذي عاكس على نحو مفاجئ وغريب مجرى الأشياء وهو يسقط ثلاث مرات في أقل من شهر، المرة الأولى أمام الميلان بقلعة السان سيرو بهدفين نظيفين عن ذهاب الدور الثمن النهائي لعصبة أبطال أوروبا، والمرة الثانية أمام الغريم الأبدي ريال مدريد بقلعة النيو كامب بثلاثة أهداف لهدف في إياب الدور نصف النهائي لكأس الملك والثالثة أمام نفس الغريم بهدفين لهدف عن الليغا الإسبانية. وبرغم أن هناك من يعترض على أن تكون هذه السقطات المتواترة لنادي برشلونة الذي صدر منذ ست سنوات إلى عالم الكرة نسقا كرويا فريدا من نوعه ورائعا في مضمونه التكتيكي والجمالي، قاعدة لبناء حكم قيمة يقول بأن التيكي - تاكا المسمى الكوني لفلسفة برشلونة الجديدة شارفت على نهايتها، بالنظر إلى أن هذا الجيل الذي صدر نفسه من خلال هذا الإبداع ما زال موجودا وهو بكامل عافيته الإبداعية، إلا أن إحترام الدورات الزمنية التي تطول أو تقصر بحسب قوة ما هو معروض يفرض القول بأن التسيد الكبير لبرشلونة واكتساحه للألقاب الكونية والقارية ثم المحلية يحتكم كما كل شيء على وجه الأرض إلى فترة زمنية محددة، لذلك لن نستغرب إذا بدأ نادي برشلونة يشعر بنوع من الإحتباس التكتيكي ومن الضيق في التنفس الإبداعي كما كان الحال أمام الميلان ثم أمام الريال وقبل ذلك أمام أندية أخرى دلتها كثرة المواجهات على ما يفتح الشفرة السرية لأسلوب برشلونة القائم كمبدإ أول على إحتكار الكرة وعلى مبدإ ثان هو فرض ضغط عال على الخصم لإذلاله تم تركيعه. ولو نحن أقررنا بأن ما كانت برشلونة تفرضه في كل مبارياتها من مجسم تكتيكي لا يأبه بملكات الخصم ولا يكترث إلا بما يبدعه هو كأسلوب فني محصن ضد كل أشكال القرصنة، وأنه في ذلك إنتقل من الإبهار في مرحلة أولى إلى الإسفاف والرتابة التي توصل إلى الملل في مرحلة متأخرة، إلا أنني أجد في هذه الهزات العنيفة التي ضربت الأسطول البرشلوني ما يفند ما كان البعض قد ادعاه من أن برشلونة قوية بمنظومتها وبفلسفتها وبالتيكي – تاكا أكثر ما هي قوية بمدربها وكوتشينها. لم يكن البرشلونيون ليبالغوا في تهويل القرار الذي كان قد إتخذه بيب غوارديولا بطي صفحة برشلونة بعد النجاحات الخرافية التي تحققت له شخصيا ولبرشلونة على عهده، إعتقادا منهم أن قوة برشلونة هي في منظومتها، وبوحي من ذات الإعتقاد الجازم قلل هؤلاء من التقاعد الإضطراري لفيلانوفا الذي أجبره المرض الخبيث على الخضوع لعلاج مكثف بالولايات المتحدةالأمريكية، وظهر بالواضح أن برشلونة عانت كثيرا من ضعف المتخيل التكتيكي لعلاج أعراض الخلل التي ظهرت على المنظومة التكتيكية، وأبدا لا يمكن أن نكذب على أنفسنا ونقول بأن برشلونة اليوم مع فيلانوفا ورورا هي نفسها برشلونة الأمس مع غوارديولا، فهناك فارق مهول يصعب معه القياس ويستحيل معه القول أن التيكي- تاكا يمكنها أن تعيش طويلا بعد كل أعراض الشيخوخة التي تظهر عليها. صحيح أن برشلونة نجحت في إنتاج فلسفة ومنظومة وعملت على تنزيلها تدريجيا واحترمت في ذلك الآجال الزمنية والآليات التي معها تتطور المنظومة وتتقوى الفلسفة وأقرنت ذلك بالجيل الأسطوري الذي يمثل كل من ميسي وغزافي وإنييسطا ثم بويول وبيدرو رموزه الكبيرة، إلا أن هذه المنظومة تحتاج باستمرار إلى مدرب يتشبع بها أولا ويستطيع إنضاجها ثانيا ويملك من الأدوات التكتيكية ما يساعد على حمايتها عندما تتحرش بها منظومات تكتيكية أخرى لإسقاطها كما هو كل شيء في هذا الكون. مؤكد أن من يجلسون في الغرف السرية لبرشلونة، يضعون المخططات ويستبقون لضمان إستمرارية التوهج والتسيد وينشغلون بما ينعش فلسفتهم ويجددها لتعيش زمن آخر، وهم في ذلك مجبرون على إيجاد المدرب الذي يملك القدرة على ركوب التحدي الجديد ويستطيع تطويع النهج التكتيكي ليجدد نفسه على أنقاض التيكي - تاكا التي يمكن الجزم بأنها أصبحت معطلة وخارج الخدمة بعد أن إستنفذت كل طاقتها.