آلمتني كلمات الحارس الخنيفري حسين زانا بعد تعافيه من تداعيات الحادث المروع الذي وقع تقريبا على بعد 47 كيلومترا عن مدينة خنيفرة، حين تسببت عربة قادمة من الإتجاه المعاكس في إنقلاب الحافلة التي كانت تقل الفريق الخنيفري ما أدى إلى وقوع ثلاث إصابات خطيرة من بينها الحارس حسين زانا الذي تعرض لنزيف داخلي، نقل على إثره على وجه السرعة إلى مدينة فاس لتلقي الإسعافات الضرورية، وآلمتني الإنتفاضة الإنسانية للرجل وقد كتب له عمر جديد في واحدة من أصعب العمليات الجراحية على مستوى الجمجمة، حين قال بأن مصيره المستقبلي لإعالة عائلته رهين بالكرة وأن لا شيء يبعده عن المجال للتكفل لعائله كمورد أساسي لا محيد عنه من الكرة أيضا. صحيح أن الرجل تعافى بمشيئة الله ومن الرعاية المولوية وكل المكونات التي وقفت بجانبه، لكن يبقى أمل التكافل الإنساني والإجتماعي قائما من خلال ما يمكن أن يقدم للحارس الخنيفري من ضمانات معيشية لإعالة الأسرة سواء على مستوى التكافل الرياضي أو السند المادي أو وظيفة قارة تتيح للرجل دخلا مريحا إن لم يكن المجال الرياضي فقط كعائد لا يمكن بأية حال أن يظل قائما في ظل عوز صحي أو عودة غير مضمونة لمجال الممارسة. ولذلك يظل قدر اللاعبين كيفما كان حالهم وأكثرهم يعيش الفقر والحاجة مرهونا بمشاكل متعددة في سياق البحث عن الرزق اليومي وتأمين الصحة وغيرها من ضروريات العيش الكريم في غياب صندوق التكافل الرياضي المفروض أن يكون إستثمارا حقيقيا لأي حادث أو وفاة أو ظروف قاسية إستغاث منهم الكثير من اللاعبين في أوضاع ميؤوس منها. وأعرف في سياق هذا الحدث الذي يؤلم أي من يستمع للحسين زانا من أن الكرة هي قوته العام لنفسه ولعائلته ولن يعيش إلا من الكرة وسيعود إليها بعد شفائه التام، كثيرا من هذه الحالات الصادمة في عز الفقر والهشاشة الإجتماعية من دون أن يكسب من الكرة أي اعتراف مالي ولا معنوي ولا حتى جانبا من التذكر التاريخي. طبعا لا يمكن أن نسمي الأمور بالمسميات لأن واقع الحالات الإجتماعية الصادمة عرت الكثير من الأسر وأحالت العديد من اللاعبين نحو مهن لا يرضى عنها أحد حتى ولو كان قوتها شريفا وغير معاب على الإطلاق. واصطدمت بوجوه رائعة قدمت الكثير لأنديتها ولكنها لم تحقق أي شيء من الموارد الإحتياطية في زمن أصبح الدرهم مضاعفا باضعاف يصعب معها حتى كسب القوت اليومي، كما أعرف وجوها غدرها الزمن بالإستهتار المالي والإهدار الغريب لفرص العيش الكريم واحتواء مشاريع فردية تدر دخلا محترما يعيلها لما بعد الكرة. وعالم الكرة قصير العمر، فيه من هو محظوظ في مدينة ما، وفيه من هو فير محظوظ، لكن الإيمان بالحظ لا يمكن الوثوق به لأن القدر هو الذي يكتب في طريق الحياة أيا ابتعد الإنسان أو اللاعب عن موقع الحلم، ومن يدخل عالم الكرة، عليه أن يدبر المسار بالحكمة والعقل لا الإفراط والتفريط في موارد مكتسبة بالجهاد وتهدر في أقل الدقائق، ومن يدخل الكرة، عليه أن يؤمن بالقدر أيضا بأفراحه وأتراحه، أفراح الكسب والنجومية والمشاريع، وأفراح مؤقتة قد تهدر في أيام وسنوات قليلة، وأفراح نسبية، وأتراح الألام والمآسي، وندم أشد من الندم نفسه. إلا أن أغلب اللاعبين في مضمار الكرة ليسو منحدرين من أوساط غنية أو متوسطة، بل تنحدر أكثريتهم من أسر فقيرة ودور الصفيح وقليل منهم أيضا من مواقع وأحياء شعبية، وأسر يتيمة و.. ولهذه الروابط المتلاقحة والمنسجمة في سياق الفقر الإجتماعي، لا يمكن السكوت عن هذه الظواهر التي يكشفها واقع اللاعب المغربي الذي يدخل عالم الكرة تحت وطأة إنقاد العائلة ، وإنقاد مشاكله الإجتماعية، لكون لا المدرب ولا المسير ولا حتى المؤطر يمكنهم الإشتغال في ميدان اليأس الإجتماعي وأمام عقلية لاعب يلعب فوق الرقعة وذهنه في مكان آخر. وكثير من الأندية الأوروبية تشتغل على الواقع النفسي أولا بتحرير اللاعب من تبعات الضغط الإجتماعي على واقع التركيز على مباراة بعينها، وتبعد ثانيا ذات اللاعب من ثنايا الهموم أيا كانت تبعاتها حتى ولو كانت على غير الوضع الإجتماعي الهش مقابل أن يتحول اللاعب الفقير إلى عملة استثمارية ستنقد بلا شك أسرته وعائلته. ولذلك وأمام واقع الحسين زانا الميؤوس ننادي جميعا بصندوق تكافل رياضي بالجامعة يضمن للاعبين في وضعية اجتماعية صعبة وفي حوادث مروعة وغيرها عيشا كريما ولم لا يكون أيضا صندوق تكافل رياضي بالفريق ذاته دعما إضافيا لمثل هذه الطوارئ الأليمة.