عندما تزور التحفة الرائعة أليانس أرينا بميونيخ وتتجول في أروقة المتحف الذي تشتم فيه عبير وأريج الماضي الجميل الذي يتلاحم مع عطر الحاضر ليرمي بك إلى دهشة المستقبل، وعندنا تترجل غير بعيد عن الأرينا المعقل الجديد للباييرن، لتطالع النادي المترامي على مساحات كبيرة بملاعب التداريب وأيضا بكل المرافق الرياضية والصحية والطبية والحميمية، تدرك جيدا ما معنى أن تكون ناديا يحترم قواعد الإحتراف ويعطي حرمة للبيت الذي يأوي الآلاف من الأنصار وكيف يتم تنزيل قيم التربية الرياضية وأخيرا تقف على سر نجاح نادي باييرن ميونيخ في أن يكون واحدا من الأندية الكونية الأكثر ثباتا وتوازنا وعمقا تاريخيا. زرت أندية كثيرة من تلك التي ننعتها بالأندية الكونية، ولم أكن حقيقة لأندهش من كل هذا الذي شاهدته عند زيارتي لنادي باييرن ميونيخ، ولكن ما يفرق باييرن عن كل الأندية الأخرى هو أن الفريق البافاري عندما يقرر الإنفتاح وعندما يقرر ركوب الموجات الجديدة التي نقلت كرة القدم إلى عالم البورصات والمنافسة على الأسواق الخارجية شرقا وشمالا وجنوبا للتغلغل في قارات أخرى، إنما يفعل ذلك باحترام كبير لمرجعياته التاريخية وبتقيد صارم بقواعد وعادات البيت لطالما أن الباييرن يعكس نموذجا رائعا في تشكيل العائلة التي تحفظ جيدا الألقاب وتحترم السير الذاتية، فلا عجب أن تكون للقيصر فرانز بيكنبارو مرتبة وأن تكون لكارل هانز رومنيغي مكانة وأن يكون لأولي هونيس موقع في مراكز القرار، إن نادي باييرن ميونيخ يضع حاضره ومستقبله بيد أبنائه في تقديس رائع للماضي الجميل. ليس هذا فقط ولكن نادي باييرن ميونيخ هو صورة من ماضيه الذي يمتد على مئات السنين وهو أيضا صورة من المجتمع البافاري القائم على البرغماتية والواقعيىة التي تضيق ما أمكن هامش المجازفة في تدبير شأنه، فباييرن ميونيخ هو أكثر الأندية نظافة ماليا وهو أكثر الأندية تقيدا بأحكام الإقتصاد المتوازن، بدليل أنه لا يقترض فلسا واحدا من الأبناك وغير مدين لأي بنك ولا يقبل على مشروع إستثماري إلا بعد أن يطمئن على عائداته وعلى نجاحه أيضا وعلى أنه لن يثقل كاهل الفريق، وأيضا هو النادي الوحيد بين الأندية الكونية التي تقف على القمة العالمية وتوجه إقتصاد كرة القدم، الذي يرفض دخول المناقصات والمزايدات ويرفض حتى جلب النجوم الذين يتبارون على المداخيل الفلكية. في جملة واحدة نادي باييرن ميونيخ مسير رياضيا من أساطيره الذين صنعوا في الماضي القريب إنجازاته الكبيرة، ومسير إقتصاديا من عقول كبيرة تعمل وفق قاعدة ذهبية تقول باختصار شديد، "لن نحمل الفريق ما لايحتمل، فأبدا لن نخون الأمانة التي قلدتنا بها الأجيال تلو الأجيال". بالقطع لا أريد بهذا الذي إختصرته الإختصار الشديد الدخول مجددا في متاهة عقد المقارنات وقياس ما لا يقاس على حقائقنا الرياضية لوجود فوارق كبيرة، ولكنني أستغرب كيف لم يتعلم من هم على رأس أنديتنا الرياضية من هذا الذي يشاهدونه بالعين المجردة وبالمشاهد المنقولة إليهم، ليجعلوا من الأندية الوطنية بيتا وعائلة تحفظ التقاليد وتمجد الماضي لتستشرف المستقبل، ليس هناك في ما نراه إعجازا وليس في ما نطلبه من أنديتنا تعجيزا، لا نطلب إلا أن تدار الأندية بنظام العائلة التي تحفظ الود الرياضي بين أبنائها وتكون صورة من عراقة المدن التي تنحدر منها وأن تطبق فيها المعايير الكبرى للإحتراف التي تقف ثقافة وهوية النادي على رأسها قبل أي شيء آخر. ميونيخ: