لم يكن غريبا على المغرب إنخراطه الريادي بالقارة السمراء في ضوء السياسة الرشيدة التي تعهد بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس في جعل العمق الإفريقي من الرهانات الكبرى التي يبني عليها المغرب إستراتيجيته السياسية والإقتصادية والتجارية والثقافية والدينية والأمنية سيما في غرب ووسط إفريقيا لمد جسور التواصل والتعاون والشراكة المتمثلة في خطة رابح – رابح من خلال المشاريع التنموية الكبرى وبرامج التنمية البشرية، ولم يكن غريبا حتى على الرياضة أن تنغمس في هذا العمق الذي يجسد إنفتاحا رائدا من خلال توقيع إتفاقيات شراكة بين الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى والكونفدرالية الإفريقية للعبة العام الماضي بهدف تطوير ألعاب القوى بالقارة السمراء، وتبادل التجارب بين الهيئتين المغربية والإفريقية، إضافة إلى الإستفادة من الخبرة المغربية في مجالات التكوين، والتأطير والتنظيم والبنية التحتية، وكذا في مجال تنظيم وتمويل مجموعة من التظاهرات، وبين الجامعات الإفريقية للكرات الحديدية من أجل تقوية علاقات الصداقة وتبادل الخبرات في رياضة الكرات الحديدية، فضلا عن عقد إتفاقيات شراكة أخرى في مجال كرة القدم مع غاميبا، رواندا، بوروندي وبوركينافاصو، جزر القمر، السوازيلاند، نيجيريا، الصومال والطوغو بهدف تحديد إطار التعاون والتبادل بين الإتحادات بغاية المساهمة في تنمية وتطوير ممارسة كرة القدم في البلدان خاصة في مجال تكوين الأطر التقنية والإدارية وفي مجال التحكيم. إضافة إلى تحديد إطار تنظيم مباريات ودية بين المنتخبات الوطنية للكبار والمحلية والأولمبية، فضلا عن تبادل الخبرات والتجارب في مجال تكوين اللاعبين والمنتخبات الناشئة وكرة القدم النسوية. وهذا التوجه العام لإستراتيجية الرياضة يرخي بظلاله أيضا على قيمة المغزى الحضاري الذي تحلت به الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عندما وقفت بجانب الكامرون ودعمته بكل السبل لتنظيم كأس إفريقيا 2019 دون أن يكون لتداعيات سحب تنظيم الحدث القاري أية ردة فعل من الجامعة المغربية لأنه بكل أمانة، شكل دعمها السابق من البداية إلى النهاية نوعية خاصة في احترام أصول التعاون المشترك. واليوم عندما نتأسف على صعوبة المسؤولية الكامرونية في عدم الوصول إلى المبتغى الرئيسي للتنظيم حسب الأجندة المطروحة في سياقات المشاريع غير المكتملة إلى غضون يونيو المقبل حسب القراءات الزمنية للبنيات التحتية والطرقية والأمنية وغيرها من الأمور اللوجيستيكية، نتأسف على بلد ينمو رياضيا في عمق بنياته وليس تاريخه الكروي لكون الكامرون رائدة إفريقيا على مستوى الإنجازات، ولن نتأسف عليها مستقبلا لكونها ستدخل التاريخ بأفضل البنيات التحتية كما فعل المغرب منذ زمن قريب ولا زال يبحث عن نماذج تنموية أخرى ستدعوه أصلا للترشح إلى كأس العالم وإلى الزمن الطويل دون أن ينفذ الصبر لذلك. وعندما خرج الكامرون من صندوق القرار الأسود للكاف برؤية شاملة للجان المتابعة، لم تهضم وزارة الإعلام الكامرونية هذا القرار واعتبرته بالظالم في بيان نشرته إعتبارا منها أنها ستعمل على إنجاز كل المشاريع التي كانت مقررة لإستضافة المسابقة في موعدها المحدد، على رغم سحب التنظيم منها مؤكدة في ذات السياق أن القرار المفاجئ لأكثر من سبب، هو بالتأكيد غير عادل بالنظر للإستثمارات الهائلة التي قام بها الكامرون ولتصميم رئيس البلاد والشعب الكاميروني على القيام بكل جهد لإستضافة الكأس، معتبرة أن بلدها كان عرضة لمعاملة تثير التساؤل، مؤكدة أن القرار هو ظلم فاضح كما جاء في البيان. وأمام هذه النازلة ، وبخاصة أمام مصطلحات «تثير التساؤل وظلم فاضح»، يظهر أن الكامرون لم تهضم هذا الشكل من المحاكمة الفورية على ملف غير مكتمل أساسا من خلال معطيات لجان المتابعة للمشاريع ومخرجات تقاريرها التي تبنها الكاف في معرض النقاش وأبرزها كان من جانب النقاط الخاصة باستعراض ملخصات تقارير البعثات لما يقرب 18 شهراً في الكاميرون، وكذا عدم إحترام شروط المطابقة، والإطلاع على أحدث الصور للتقدم المحرز في الأشغال والتحضيرات وتحليل وتقييم الفجوة بين متطلبات والتزامات دفتر تحملات كأس إفريقيا، والتأكد من وضعية مختلف الأوراش المفتوحة و الإستماع إلى إستنتاجات أعضاء البعثة الأمنية خلال زيارتها الأخيرة. ويظهر أن الكامرون عبر وزارة الإعلام ومن خلال إفرازات قرار الكاف، لم تهضم هذا الشكل من التعامل واعتبرته ظلما فاضحا ويطرح علامات إستفهام أو يثير التساؤل ما إذا كانت هناك عوامل مؤثرة على هذا القرار، أو أن من إتخذ القرار حاكم المسألة بدون تروي، أو أن القرار هو ظلم فاضح قد يخدم جهة أو دولة على أخرى أي بينما هو موجود ومؤهل للتنظيم، على حساب بلد مسؤول عن أوراشه وضامن ومحترم للأجندة الزمنية لإنطلاق الحدث في موعده بكل التحضيرات. وهذا ما أزعج الكامرون لأن هناك بالفعل ألغاز كثيرة وتثير الشبهات في بيان وزارة الإعلام الكامرونية حول حيثيات القرار. من حق الكامرون أن يغضب على قرار الكاف كيفما يشاء، كما كان من حق المغرب أن يغضب وغضب مرارا على توجهات الفيفا ومؤامرة مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، لكن ليس من حق الكامرون من خلال وزارة الإعلام أن تلعب بالكلمات لكون المغزى لا يصب في صلب القرار فحسب بل يتعداه إلى المؤامرة من أعضاء المكتب التنفيذي وبعضهم ينتمي اليوم إلى فيلق المترشحين لتنظيم الحدث القاري. وأرجو أن لا يكون هذا التأويل سديدا.