كانت الزيارة الثانية التي قام بها جياني إينفانتينو رئيس الإتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» إلى إسبانيا في أقل من شهرين، وجلسة العمل التي عقدها بمعية رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، ورئيس الجامعة الإسبانية لكرة القدم لويس روبياليس، مناسبة للترويج مجددا لترشيح ثلاثي محتمل للمغرب، إسبانيا والبرتغال لتنظيم نسخة 2030 لكأس العالم، النسخة التي تخلد لمائوية التظاهرة الكروية الأكثر كونية. الأمر لا يعدو أن يكون فرضية من ضمن فرضيات كثيرة، فمع غياب أي قرار سياسي معبر عنه من قادة الدول الثلاث، لا يمكن أن نتحدث سوى عن إجتهادات إعلامية أو عن بالونات تطلق في الهواء لرصد ردات الفعل. وقد إختلفت الصياغات بين المنابر الإعلامية للكشف عن مضمون جلسة العمل تلك، فمن ذهب إلى أن رئيس الجامعة الإسبانية لكرة القدم، إستغلها لينقل رسميا إلى رئيس الحكومة، في حضور رئيس «الفيفا» إينفانتينو، رغبة الجامعة الإسبانية في تنظيم كأس أوروبا للأمم سنة 2028 أو كأس العالم لسنة 2030، وهي الرغبة التي رحب بها رئيس الحكومة الإسبانية، وقال أنها ستكون موضوع دراسة عميقة، ومن قال أن من ضمن الفرضيات التي جرى طرحها، أن تتصدى إسبانيا للتنظيم المنفرد للمونديال، وهو خيار لا يتحمس له كثيرا رئيس «الفيفا»، ومن أورد أيضا فرضية أن تتحالف إسبانيا مع المغرب والبرتغال لتنظيم مونديال فريد من نوعه تتقاسمه لأول مرة قارتان، ومن جزم بأن تنظيم إسبانيا للمونديال بشراكة مع المغرب أمر مستبعد لأسباب جيو رياضية، إذ لو كان هناك خضوع لمبدأ المداورة، فإن القارة الأوروبية ستعترض ضمنيا على أن تنظم نصف مونديال، ومن خرج بعد ذلك ليقول بأن البرتغال لا يدخل مطلقا في حساباتها المستقبلية، أن تنظم كأس العالم بأي صيغة من الصيغ المتداولة. المؤكد في ما أطلعنا عليه، هو أن إسبانيا راغبة فعلا في تنظيم نهائيات كأس العالم للمرة الثانية، بعد الأولى سنة 1982، أما كيف؟ ومع من؟ فهذا ما لا يقبل الجزم بأي جواب في غياب قرار رسمي، لأن ما جرى الحديث عنه في حضرة إينفانتينو رئيس «الفيفا»، نية للترشيح تعبر عنها إسبانيا إسوة بعدد كبير من الدول في القارات الأربع، والتي حسم بعضها في صيغة الترشيح، كما هو حال دول الأرجنتين الأوروغواي والبارغواي، التي إستبقت منذ مدة، واعتبرت أن لها الحظوة التاريخية للظفر بتنظيم كأس العالم 2030، فهذه النسخة ستخلد لمائوية كأس العالم الذي أقيمت نسخته الأولى سنة 1930 بالأوروغواي. لا يحتاج المغرب الذي نافس بقوة وللمرة الخامسة على تنظيم كأس العالم 2026، التي إستقرت في الحضن الأمريكي الشمالي، إلى أن يجدد المطمح والرغبة في أن تخصه عائلة كرة القدم العالمية بشرف تنظيم المونديال ذات يوم، فما أنجزته لجنة الترشيح على أرض الواقع، وما راكمته من نجاحات في التطابق نسبيا مع دفتر التحملات الثقيل، وما يبديه المغرب من إستعداد لتنفيذ الكثير من المشاريع التنموية الضخمة التي تعهد بها في سياق حملة ترشيحه لتنظيم نسخة 2026، كل هذا يدفع إلى مواصلة السعي لتنظيم المونديال، لذلك لا جدال في أن المغرب سيتقدم بترشيحه إلى «الفيفا» بمجرد أن يفتح باب الترشيحات المتعلقة بتنظيم نسخة 2030، بعد سنتين من الآن على الأرجح، أما هل سيكون الترشيح منفردا على هيئة الترشيح السابق؟ أو هل يكون بتحالف مع دول مغاربية؟ أو هل يكون بتحالف مع دول أوروبية جارة؟ فهذا ما لا نستطيع أن نستبقه أو حتى أن نتكهن بها، فالخيارات متنوعة وكثيرة، والإستقرار على أفضلها، مسألة لها علاقة بالتربيطات وجس النبض، ولها علاقة أيضا بالتنبؤات المستقبلية للشكل الذي ستكون عليه المنطقة، لكن ما يجب العمل عليه من الآن في ظل هذه الفورة التي يضج بها المشهد الكروي العالمي، والكثير من الدول تبدي من الآن رغبتها في تنظيم مونديال على هيئة التنظيم الثلاثي المرتقب لنسخة 2026، هو أن تحارب القارة الإفريقية من أجل إعادة نظام المداورة بين القارات في تنظيم المونديال تحقيقا للعدالة والمساواة، نظام مداورة لا يشبه في شيء، ذاك الذي دعا له الثعلب جوزيف بلاتر، ذات وقت، للتغطية على جريمة ارتكبت عند إسناد مونديال 2006 لألمانيا، فقد أراد أن يمهد الطريق لجنوب إفريقيا لتنظيم كأس العالم 2010، تكفيرا عن غلطة تاريخية، فدعا الجمعية العمومية ل«الفيفا» للتصويت على نظام المداورة بين القارات في تنظيم المونديال، وفرض البدء بالقارة الإفريقية، إلا أن النية المبيتة التي لا تقوم على أساس العدل وارى الفكرة الثرى. هذه المداورة هي النضال الحقيقي، الذي يجب أن تخوضه القارة الإفريقية وبخاصة الكونفدرالية، لتدافع عن مشروعية أحلام الدول الإفريقية، ولا تتركها عرضة للضياع بسبب غطرسة القارات الأخرى.