تجتاح حمى كرة القدم انكلترا مع استعداد منتخب "الأسود الثلاثة" لخوض نصف نهائي كأس العالم في روسيا ضد كرواتيا الأربعاء، وتطال تحديدا مدينة شيفيلد التي تعد بمثابة مهد اللعبة الشعبية الاولى في العالم. على بعد حوالى 240 كلم شمال لندن، تقع المدينة ذات التاريخ العريق في اللعبة. ومع بلوغ المنتخب الانكليزي بتشكيلته الشابة، نصف نهائي كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1990، تحظى شيفيلد بأسباب اضافية لتشعر بالفخر: ثلاثة لاعبين في التشكيلة ترعرعوا فيها: هاري ماغواير، كايل ووكر، وجيمي فاردي. العلم الانكليزي الأبيض اللون والذي يتوسطه صليب أحمر، يرفرف في كل مكان في شيفيلد، من على الشرفات والسيارات ومن الشركات في المدينة الصناعية القديمة التي كانت تعرف سابقا باسم "مدينة الصلب". ويقول عامل البناء فيتسروي تورنر (43 عاما) "يجعلنا ذلك نشعر بالفخر تجاه شيفيلد ونحن نعرف أنهم (اللاعبون الثلاثة) يتحدرون من هنا". حتى كاهن المدينة يعيش اجواء كرة القدم والحماس ذاته، فهو يرتدي خلال قداس الأحد سترة صدرية من دون كمين ضيقة عند الخصر اشتهر بها في روسيا، مدرب المنتخب غاريث ساوثغيت الذي لفت الأنظار بأناقته. وللمرة الاولى منذ انطلاق مونديال 2018، سيعرض المجلس المحلي لشيفيلد الأربعاء مباراة الدور نصف النهائي على شاشة عملاقة تبلغ مساحتها 43 مترا مربعا، في باحة بوسط المدينة تتسع لعشرة آلاف شخص. وقال مسؤول عن النشاطات في المدينة لوكالة فرانس برس ان شيفيلد ستحتفل بأبطالها المحليين تحت شعار "صنع في شيفيلد". وأشار مطور البرمجيات جوناس بيزوبوفاس (24 عاما) الى ان كل انتصار لانكلترا حتى الآن ترافق مع ساعات من الاحتفالات والصخب، ولكن الاحتفالات في حال الفوز الأربعاء تعد بأن تكون الأكبر على الاطلاق. أضاف "هذه مباراة لا تحصل سوى مرة واحدة في العمر"، مشيرا الى الشمس التي يغمر نورها منذ أسابيع مدينة اعتادت على المطر حتى في هذه الفترة من السنة "أشعر بأن الحرارة وكرة القدم اجتاحتا أذهان الناس. كان الأمر الجنون بعينه هنا". وترافق تقدم إنكلترا في مونديال روسيا على وقع إنشاد الانكليز أغنية "عائدة الى المنزل"، وهي أغنية اشتهرت لدى استضافة انكلترا كأس أوروبا 1996، في اشارة لعودة كرة القدم وكؤوسها الى مهدها. في هذا الجزء من العالم، "المنزل" هو شيفيلد. وتزداد المدينة فخرا بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يقر بأن نادي "شيفيلد اف سي" الذي تأسس عام 1857 ويلعب حاليا في دوري الدرجة الثامنة، هو أقدم ناد في تاريخ الكرة المستديرة. والى جانب اللاعبين الانكليز الثلاثة الذي ولدوا في المدينة، يرتبط أربعة أفراد آخرين في التشكيلة الانكليزي، بصلات بالمدينة أو بمقاطعة يوركشاير المحيطة بها. وتقول العضو في الحكومة المحلية ماري ليا "تفتخر شيفيلد بتراثها الكروي (...) في كل أنحاء المدينة، تحتفل الحانات والنوادي حتى الساعات الاولى بانتصارات منتخب انكلترا". يتولى بيلي هاوشام (63 عاما) الاعتناء بالمجمع السكني في الحي الذي نشأ فيه غايل ووكر. ويتذكر هذا الرجل كيف كان ابنه يلعب مع اللاعب الدولي في فئة الشباب، وكيف كان ووكر يضرب كرات الغولف في طفولته. ويقارن هاوشام المنتخب الحالي بمنتخبات انكليزية أخرى ضمت في صفوفها نجوما مثل ديفيد بيكام وواين روني، في مقابل تشكيلة حالية شابة بمعظمها، ويغيب عنها أي نجم من الطراز الكبير. يقول "ثمة شعور مختلف تجاه هذا المنتخب الشاب الذي يخلو من النجوم". في المقابل يؤكد المدرب السابق هاورد هولمز (71 عاما)، وهو مدرب سابق ساهم في اكتشاف موهبة ووكر، أنه غير مستغرب من أن المدينة تنتج لاعبين موهوبين نظرا الى علاقتها المتجذرة مع كرة القدم. يضيف هولمز الذي أسس في العام 1995 جمعية تعنى بمكافحة العنصرية في كرة القدم "أنت موجود في نقطة ارتكاز لعبة كرة القدم". تعرف المدينة تنافسا حادا بين فريقيها شيفيلد وينسداي وشيفيلد يونايتد، الا ان السكان يضعون المنافسة جانبا حاليا، مثل كل المشجعين في انكلترا. وبحسب سايمون بريغز الذي يدير حانة في شيفيلد "من الجيد أن نرى المنافسة جانبا". وفي منطقة موسبورو التي يتحدر منها ماغواير، تحول موقف سيارات إحدى الحانات الى مساحة مزينة بالأعلام، تستضيف المشجعين لمتابعة المباريات عبر شاشتين عملاقتين. ويوضح ديفيد هويلاند (47 عاما) ان الحانة التي لا يزال والدا ماغواير يرتادانها بشكل دائم، لا تعرض عادة المباريات، الا انها قامت باستثناء. ويقدر هويلاند بأن نحو ألفي شخص تابعوا لقاء الدور ربع النهائي ضد السويد السبت، والذي انتهى بفوز انكلترا 2-صفر في مباراة افتتح فيها ماغواير التسجيل بكرة رأسية قوية. ويوضح بأن المشجعين استهلكوا نحو ثلاثة آلاف كأس من الجعة ومئات المشروبات الأخرى، مضيفا "قال أحدهم انه كان أفضل يوم في حياته".