إلى الآن ما زالت أشلاء الفساد تتطاير من البؤر التي هي محجوزة للفيفا، المؤسسة الرياضية الدولية التي كنا نعتقد أن سقفها منيع وجدرانها محصنة ضد الزلازل، ولا غرابة أن تنفتح الكثير من المغارات لتطلع علينا قصص الرعب التي تقول أن كل ما دار في دهاليز الفيفا لم يكن كله نظيفا ولا محتكما للنزاهة الفكرية. ومع هذا التسلسل الغريب للأحداث المتعاقبة والمتداعية التي تروي عن ذاك الفساد الذي إستشرى ذات وقت، بسبب وجود أطماع وتقاطع للمصالح، يزداد مجتمع كرة القدم تخوفا من أن النزاهة والشفافية المطلقة التي رفعها إينفانتينو وهو يرأس الإتحاد الدولي لكرة القدم على أنقاض الداهية بلاتر، شعارا لولايته لا تعدو أن تكون وهما جرى تسويقه وصدقه الناس، حتى وإن كان الرجل قد خطا فعلا على درب إقرار هذه الشفافية لتكون سندا، بل وأساسا للحكامة الجيدة التي يريد أن يلبسها للفيفا. وللأمانة فإن إينفانتينو والإتحاد الدولي لكرة القدم يوضعان أمام إختبار فعلي لقياس مقدار الشفافية والنزاهة التي باتت تحكم تدبير الفيفا لشؤون كرة القدم العالمية، والإختبار ليس سوى إسناد تنظيم نهائيات كأس العالم 2026، لأي من الملفين المتسابقين، الملف المغربي والملف الأمريكي الشمالي. لا خلاف على أن الأعمدة التي ستقوم عليها الشفافية المعلن عنها من قبل إينفانتينو، بخاصة وأن ما إفتضح من صنوف الفساد إقترن على الخصوص بعمليات تعيين الدول المستضيفة لتنظيم مونديالات سابقة، بوشرت بالفعل من خلال اعتماد معايير جديدة لتعيين البلد المستضيف لنهائيات كأس العالم، إلا أن الشوط الأخير في مسلسل تغيير جلباب الديموقراطية، سيكون حاسما لأنه سيرتبط بمدى الإجماع الذي سيحصل بين عموم عائلة كرة القدم العالمية في تعيين البلد أو البلدان المنظمة لنهائيات كأس العالم 2026. بمعزل عن الخطوات التي حددتها الفيفا لاختيار البلد المستضيف لمونديال 2026 والتي بدأت من إشهار النية إلى تقديم ملف الترشيح، وصولا إلى تصديق مجلس الفيفا على أهلية الملف أو الملفات المتسابقة لتعرض في خاتمة المطاف على الكونغرس للتصويت النهائي، فإن ما كانت تمثل بالأمس ثوابت مطلقة في آليات الترشيح باتت اليوم معايير نسبية، لأنه أضيف إليها عدد من المعايير ذات العلاقة بحقوق الإنسان وبالإحترام المطلق للبيئة. ويمكن القول أن الفيفا وضعتنا أمام جيل جديد من الأحكام والمعايير يتطابق مع روح العصر، ويحقق قدرا عاليا من الشفافية، بل وكثيرا من العدالة التي كانت مفتقدة في السنوات الماضية، عندما كان تعيين البلد المستضيف للمونديال يستند لمعطيات غير التي يجاهر بها الإتحاد الدولي لكرة القدم، منها ما له علاقة بالإقتصاد ومنها ما له علاقة بالجوانب السياسية ومنها ما يتعلق بقوة الضغوط الممارسة على أعضاء المكتب التنفيذي للفيفا من قبل المؤسسات الكبرى. وإذا كان حرص الإتحاد الدولي لكرة القدم كبيرا على إحاطة تعيين البلد المستضيف لنهائيات كأس العالم 2018 بأكبر قدر من الشفافية والنزاهة للقطع مع ما كان سائدا في السابق من إنحرافات، فإن ذلك لابد وأن يقترن بإحلال العدالة في منح هذا الحق الكوني، سواء بإعمال مبدإ المداورة أو بعدم التفريق بين القارات بالإعتماد على قياسات جاهزة، وبرغم أن الفيفا قد شدد على ضرورة أن يتولى الكونغرس، الذي يضم كل الدول الأعضاء داخل الإتحاد الدولي لكرة القدم، مهمة تسمية البلد المستضيف لكأس العالم إعتبارا من نسخة 2026، إلا أن مجلس الفيفا سيكون له رأي موجه، فهو من سيفرز الملفات وهم من سيصنفها، بل هو من سيرقمها ليصبح ميسرا للكونغرس إختيار البلد المستضيف لكأس العالم. من حسن حظ المغرب أنه يتقدم للمرة الخامسة طالبا يد المونديال، متسلحا بإرادة جامحة من أجل الإنتصار لمشروعه القومي والقاري ومستندا على مطابقته الكاملة لكل المعايير الرياضية والإقتصادية والمجتمعية والأخلاقية، ومقتنعا بأن المجتمع الكروي الدولي سيقدر أن من حق إفريقيا أن تنظم كأس العالم للمرة الثانية قبل انقضاء مائة سنة على إنطلاقتها. إن نجح المغرب في الظفر بشرف تنظيم كأس العالم 2026، فلربما أقنعتنا الفيفا أنها قطعت دابر كل موجبات الفساد وأسست بالفعل زمنها الجديد القائم على الشفافية والنزاهة وأيضا العدالة التي لا تكيل بمكيالين ولا تقسم العالم إلى شطرين، عالم نافع وعالم غير نافع.