لطالما شددت على أن التواجد المغربي المكثف داخل مراكز القرار الرياضي، إن داخل المؤسسات العالمية أو الإفريقية، بات ضروة ملحة وخيارا لا محيد عنه، فليس في الأمر بريستيجا ولا نعرة قومية، لطالما أن هناك مصالح لا بد من صونها وحمايتها. وعندما كنت وغيري من الزملاء نرى في الحضور المغربي المحتشم داخل المنظمات الرياضية العالمية والقارية، سببا غير مباشر في كثير من الإنتكاسات التي تصاب بها كرة القدم الوطنية، فإنني كنت أربط ذلك بعدم القدرة على دفع البلاء وعلى مقاومة التحرشات التي تنشط في الكواليس وراء الأبواب الموصدة، كما كنت أربطه بالتراجع المهول الذي يعرفه إنتاج مشهدنا الكروي لنخب رياضية، يكون بمقدورها غزو هذه الهيئات واحتلال مواقع مهمة بداخلها، بالإعتماد أول الأمر على الكفاءة والحنكة والمعرفة الدقيقة بالأبعاد الإستراتيجية لكرة القدم في مداها القاري أو الدولي. هذا الذي كنت أحذر منه، وقد لدغنا منه عشرات المرات، هو ما حدث في كواليس المؤتمر 67 للإتحاد الدولي لكرة القدم المنعقد بالمنامة بالبحرين خلال الأسبوع الماضي، فقد أمكن للمغرب من خلال رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الذي بات رقما أساسيا في معادلة العمل الكروي داخل «الكاف» و«الفيفا»، أن يحبط مخططا أمريكيا كان يطمح في الحصول من مجلس «الفيفا» على حصرية الإعداد لملف تنظيم مشترك بين الجامعات الكندية والمكسيكية والأمريكية، لكأس العالم 2026 الذي تم بشكل نهائي التصديق على حصص القارات الخمس من مقاعده 48 التي سيلعب بها لأول مرة، وهذه هي الحكاية: على جدول أعمال مجلس الفيفا والذي بات التسمية الجديدة لما كان يعرف في السابق باللجنة التنفيذية، كانت هناك نقطة موضوعة بعناية كاملة وبإيعاز من الجامعة الأمريكية لكرة القدم، تدعو مجلس «الفيفا» الذي يملك سلطة القرار إلى التصديق على حصول الملف الأمريكي على الضوء الأخضر للشروع من الآن في الترتيب لتنظيم كأس العالم لسنة 2026 الذي سينتقل عدد منتخباته من 32 إلى 48 منتخبا، فقد كان الأمريكيون يرون في عدم وجود أي طلب آخر، سببا كافيا لكي يقرر مجلس «الفيفا» في الأمر ويمكن الملف الأمريكي من سنة كاملة ليرتب الأمور التنظيمية، بخاصة وأن النهائيات ستجرى بالولايات المتحدةالأمريكية، كندا والمكسيك. وعندما نعرف أن المغرب له طموح معبر عنه، لكي يعاود محاولاته بالسعي لنيل شرف تنظيم كأس العالم بعد أن خسر أربع محاولات سابقة، وأنه من غير المستبعد أن تطرح على «الفيفا» صيغة مغربية لتنظيم مشترك لمونديال 2026 بعد أن بات مستحيلا على أي بلد أن يستضيف لوحده مونديالا من 48 منتخبا ومن 12 مجموعة وقوامه 80 مباراة، فإن الدفاع عن هذا الحق كان يستلزم أولا وقبل كل شيء التصدي لهذا المخطط الذكي، وهو ما سارع إليه فوزي لقجع رئيس الجامعة الذي بات عضوا مبرزا داخل تنفيذية الكونفدرالبية الإفريقية لكرة القدم، إذ جند الملغاشي أحمد رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم ورئيس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم وحتى الشيخ سلمان رئيس الإتحاد الأسيوي لإفشال المخطط الأمريكي، بالإعتراض على الصيغة جملة وتفصيلا من مبدإ أن الأمر لا يحقق العدالة والمواساة ويتعارض مع ما ينادي به إينفانتينو الرئيس الجديد للفيفا، من شفافية في تدبير الملفات الضخمة تتجاوز صور الفساد التي صدرها الإتحاد الدولي لكرة القدم عن نفسه في فترة سابقة، واستوجب ثورة كبيرة إنتهت بسقوط من وصفوا بالصقور. وجاء الرد قاسيا على الأمريكيين ومنصفا للمغرب، إذ رفض مجلس الفيفا منح الحصرية للملف الأمريكي، وقرر فتح باب الترشيح أمام دول أخرى لتقديم ملفات مشتركة إلى غاية يوم الحادي عشر من شهر غشت القادم، وساق من الآن المعايير الواجب توفرها في الدول التي تترشح لتنظيم مونديال 2026، ومنها على الخصوص إحترام مبادئ حقوق الإنسان واحترام الإتفاقيات الدولية حول حماية البيئة، إلى جانب معايير أخرى ذات طبيعة بنيوية واقتصادية ورياضية. وباستقبال ملفات الترشيح في حد أقصاه 11 غشت القادم، سيكون أمام لجان الفيفا ما لا يقل عن سنة لتقييم الطلبات واستطلاع الدول المتنافسة وإنجاز التقارير الميدانية، للإعلان رسميا عن البلد المستضيف لنهائيات كاس العالم 2026 سنة 2018 عند عقد الفيفا لمؤتمرها على هامش نهائيات كأس العالم التي تستضيفها روسيا، بمتغير كبير يتمثل في أن قرار منح شرف التنظيم لأي ملف، سيكون قرار الجمعية العمومية بكل أعضائها وليس قرار مجلس «الفيفا» كما كان يحدث من قبل. وطبعا بعد أن نجحنا في إفشال المخطط الأمريكي لنيل الحصرية وسد الطريق على متنافسين آخرين، سيكون أمام المغرب أقل من ثلاثة أشهر للكشف عن ملف يستوفي الشروط، ويكون قادرا على منافسة ملف أمريكي يعتقد الكثيرون أنه المرشح الأقوى لكسب الرهان.