أضاء بسحره ليالي الليغ 1 وهز زئيره أركان قارة الموضة والإبداع بعد سنة خرافية ومشوار بطولي غير مسبوق تمكن المحارب يونس بلهندة من التتويج منطقيا وعن جدارة وإستحقاق كأحسن لاعب مغربي للعام الذي نودعه، بعدما رسم الفنان لوحات الإبداع ووزع رحيقه فوق أزهار مختلف الحدائق الفرنسية والأوربية ليكون أنشط سفير مغربي وأفضل ممثل للكرة الوطنية في بلاد الأنوار والقارة العجوز. البداية من الكان قص يونس بلهندة عام 2012 من أراضي الغابون وغينيا الإستوائية حين توجه رفقة أسود الأطلس إلى نهائيات كأس أمم إفريقيا لدخول مغامرة جديدة ومجهولة رفقة العديد من زملائه الذين كُتب لهم أن يعيشوا أول بطولة قارية في مشوارهم. تربص الأسد في ماربيا الإسبانية ثم حلق إلى جحيم ليبروفيل، حيث عاش ليالي سوداء ومحبطة بعدما تعرض الفريق الوطني إلى إقصاء مذل وخروج مبكر من دور المجموعات مستسلما لحماس وذكاء الغابونيين والتونسيين. لعب يونس المباريات الثلاث بأكملها وخاض 270 دقيقة مقنعة إلى حد كبير بعدما كان رفقة العميد الحسين خرجة من أحسن العناصر رغم قلة خبرته وتجربته، إلا أن تعطشه وقتاليته دفعاه إلى التغريد خارج السرب وحفظ ماء الوجه بتوقيعه للهدف الوحيد في مرمى النيجر والذي منح الأسود النقاط الثلاث في البطولة. العودة القوية إلى فرنسا حزم الشاب حقائبه محبطا مطأطأ الرأس وامتطى الطائرة عائدا إلى فرنسا وهو يلعن السذاجة التكتيكية والحظ التعيس الذي رافق الأسود بالبطولة القارية، وحط الأقدام بمدينته مونبوليي، حيث وجد مدربه وزملاءه والمشجعين في الترحاب سعداء مسرورين بعدما رجع إليهم نجمهم بسرعة وخصوصا سالما معافى. لم ينتظر يونس سوى ساعات لإسترجاع النفس ليقحمه المدرب روني جيرار في مباراة نهاية الأسبوع ضد بريست، علما أن اللاعب لم يصل إلى فرنسا إلا يوم الجمعة، لتتضح أهميته القصوى ودوره الرئيس في بيت مونبوليي الذي يسوده الظلام وتهجره الألحان في غيابه. نسي بلهندة أحزان الكان ولبس مجددا ثوب النجومية والتألق فقاد ناديه إلى ثلاثة إنتصارات متتالية موقعا 3 أهداف في ظرف أسبوعين، كما قدم مباراة غاية في المتعة والروعة في أحد أمسيات باريس الخالدة حين حرث حديقة الأمراء لوحده وأرسل نسمات الإبداع ونفحات الإقناع موقعا هدفا جميلا وخاطفا نقطة ثمينة من عاصمة الأنوار. الفيلوردوم بايعه واللقب عانقه واصل إبن تازة السير في طريق الإنتصارات المتتالية وزكى ناديه مونبوليي كظاهرة الموسم والحصان الأسود في الليغ 1 بنتائج باهرة وأداء ساحر، جعل النقاذ والمتتبعون يقفون مذهولين معجبين بفريق فرنسي صغير يطيح بالأكابر تواليا ويعض بالنواجد على المراتب القيادية. لم يميز بلهندة بين اللعب داخل الميدان أو خارجه فكان شعاره صنع اللعب والتهديف مهما كان إسم الخصوم وكيفيما كانت صلابته، فكسر شوكة العنيد وأطاح بكبرياء الكبير عازفا سمفونية ولا أورع بعدما تسلم بإستحقاق عصا المايسترو الذي يقود فرقته الموسيقية لتمتع وتطرب أذان الجماهير وتأسر عيون العشاق والمتيمين. إقترب الموسم من نهايته والصراع بين مونبوليي وباريس سان جيرمان دخل دربه الأخير، حيث السرعة النهائية والطاقة الخارقة صاحبتا الكلمة الحاسمة، ولأن بلهندة ورفاقه كانوا مشحونين ببطاريات الحماس والعطش والحلم بالتتويج فقد زاد مونبوليي من سرعته حتى وهو يمر بجبال الألب، فشق طريقه بنفسه وعبر الألغام بذهائه ماضيا متجولا بين سفوح النتائج الإيجابية والأداء العجيب. وجاءت مباراة مارسيليا بالفيلودروم كموعد حارق وديربي الأجوار والذي رقّص فيه بلهندة لاعبي الغريم وأسكت المشجعين المتعصبين للنادي الجنوبي، بعدما قدم لقاء تاريخيا وخالدا في ذاكرة الليغ 1 كان فيه النجم الأول بالعلامة الكاملة والبصمة الكبيرة موقعا هدفين أحدهما خرافي من ضربة نصف هوائية ولا أروع نسجت خيوط علاقة غرامية مع شباك مانداندا، لينهي بعدها اللاعب بأسابيع قليلة مسلسل الإثارة والتشويق فوق قمة منصة التتويج حين تٌوج رفقة مونبوليي كبطل لفرنسا عن جدارة أمام دهشة وذهول الجميع. غزل الكبار ونيكولين يرفض كان طبيعيا أن يجذب عاشق الحسابات الأنظار إليه ويوقف العيون شاخصة مترقبة، وكان منطقيا أن تتهافت عليه كبرى الأطماع الأوروبية بإهتمامات الإعجاب والرغبة في التعاقد معه والإستفادة من موهبته. الرئيس لويس نيكولين لم ينتظر يوما أن تسقط على طاولته عروض بالجملة وبإغراءات متعددة كتلك التي طرقت بابه من أجل تسريح بلهندة، حيث جاءه المراقبون والمدراء الرياضيون من كل حذب وصوب بأرقام ضخمة إقتربت في بعض الأحيان من ميزانية فريقه وبالبالغة 36 مليون أورو. فبرشلونة أتى للإستفسار وميلان وأنتر وجوفنتوس تنافسوا في الكواليس لخطب وده، ودورتموند وميونيخ سألا عنه المقربين والخبراء قبل دخول السباق، كما أن زعماء البريميرليغ من طينة مانشستر سيتي وأرسنال ونيوكاسطل أصابهم الجنون وهم يرون إبداعاتهم نهاية كل أسبوع في مسارح الليغ 1. وجد نيكولين نفسه في حيرة بين الإستجابة لمطالب المهتمين والإبقاء على فتاه بالديار، فقرر في نهاية المطاف عدم بيع نجمه رغم السيولة المالية للعروض رافضا رحيل الفنان بعدما غادره القناص جيرو، كما أن بلهندة تردد قليلا قبل أن يخرج بالقرار اليقين وتمديد المقام بمونبوليي لموسم إضافي لرد دين قديم وإكتشاف أمجد المسابقات الأوروبية عصبة الأبطال. مناسك العمرة للإستعداد للعصبة بعدما أنهى بلهندة الموسم الشاق بميدالية ذهبية في العنق لم يخلد اللاعب إلى الراحة وتوجه إلى الأدغال الإفريقية ليقود الأسود في مباراة حاسمة بغامبيا ضمن تصفيات كأس أمم إفريقيا، لكن القدر كان يخفي له إصابة لعينة على مستوى الكاحل أجبرته على الغياب لمدة شهرين لتكون ضارة نافعة، حيث دفعته الإصابة إلى الخلود للراحة الإجبارية بعد موسم شاق وطويل. إستغل يونس الفرصة وسافر إلى السعودية صحبة زميليه الكوثري وأيت فانا لأداء مناسك العمرة، فغذوا الأرواح ونفسوا عن الأنفس مستمتعين بأيام روحانية دينية في أحضان الحرم المكي والأراضي الطيبة بعيدا عن صخب الميادين وضغط التباري والمبارزة مع الخصوم. وبعد تجديد الدماء وشحن البطاريات عاد الثلاثي إلى فرنسا لبدء الإستعدادات للموسم الجديد، بيد أن بلهندة تأخر في مرحلة الإعداد لعدم تعافيه التام من الإصابة، ولم يعد إلى أجواء التنافس إلا في أواخر شهر غشت، لكن الأداء بدا مهتزا وأقل من المتوسط بعدما إنعكس التوقف الطويل جراء الإصابة على مستوى المايسترو. لم تكن بداية موسم مونبوليي مثالية بعدما سقط في سلسلة من النتائج السلبية ولم يسجل سوى 3 أهداف في البطولة الفرنسية في ظرف شهرين، لتكون نقطة ضوئه الوحيدة هي إكتشافه لأجواء عصبة الأبطال الأوروبية حين فتح أعينه على مسارح القارة العجوز راكضا مستمتعا فوق خشبات مسارح شالك وأرسنال وأولمبياكوس لأول مرة ومستخلصا عدة دروس وفوائد بعد الإقصاء المنتظر من دور المجموعات. جوائز بالجملة وتتويجات مستحقة لكل مجتهد نصيب وبعد كل حرث حصاد، ويونس بلهندة لم يخرج عن هذا النطاق بعدما نال مجموعة من الجوائز نظير الأداء الراقي والمستوى الرفيع والمتميز خلال السنة التي نودعها، والتي كانت شاهدة على موهبة تفجرت بشكل واضح بعدما تم صقلها خلال السنتين الماضيتين. الفنان وفي سنة 2012 رفع لقب بطولة فرنسا كأول تتويج في مساره الكروي وتم إختياره كأفضل لاعب واعد في الليغ 1 خلال الموسم والذي تواجد أيضا في تشكيلته النموذجية، كما تُوج هدفه في مرمى مارسيليا كأجمل هدف ومُنحت له جائزة الراحل «فيفيان فوي» كأحسن لاعب إفريقي بفرنسا، ونال نجمة الرابطة الفرنسية مرة واحدة كلاعب الشهر إلى جانب إختياره كأحسن عنصر بمونبوليي لأربعة أشهر. المحراث دخل لأول مرة قائمة أفضل 10 لاعبين أفارقة محترفين من طرف الإتحاد الإفريقي، كما تُوج بالأسد البرونزي الممنوح من جريدة «المنتخب» وحلّ ثالثا في إستفتاء وكالة المغرب العربي للأنباء لرياضي السنة ليقطف آخر الثمار كأحسن لاعب مغربي لعام 2012.