"عندما ذهبت إلى الكاميرون للمرة الأولى بعد أن تعاقدت مع الاتحاد الكاميروني لكرة القدم لتدريب منتخب الأسود غير المروضة، لم يؤمن أي أحد بقدراتي لم يرغب أحد في مساعدتي جميع وسائل الإعلام تنبأت بفشلي ورحيلي السريع .. يومها جلست مع مساعدي وقلت له إنها أفضل بداية لنا، لأنه ببساطه سنعمل بدون أي ضغوط فالجميع يعلم مسبقاً أننا سنفشل !!" كانت هذه هي تصريحات البلجيكي العجوز هوغو بروس "64 سنة" مدرب المنتخب الكاميروني لكرة القدم الذي كان مغموراً ومجهولاً على الصعيد الأفريقي، بكل معنى الكلمة قبل أن يتولى مهمة تدريب المنتخب العريق والمتوج أربع مرات سابقة في البطولة الأم في القارة السمراء. بعد إقالة الألماني فولكر فينكه من تدريب المنتخب الكاميروني عام 2015 وهي إقالة رآها الكثيرون متأخرة جداً خاصة بعد الفشل الذريع الذي لحق بالأسود في نهائيات مونديال 2014، دخل الاتحاد الكاميروني ووزير الرياضة في متاهة البحث عن مدرب عالمي له قدرة على انتشال الكرة الكاميرونية من محنتها بعد تراجع المنتخب بشدة في مستوى الأسود الذين تحولوا في السنوات الأخيرة إلى "قطط أليفة" عقب عدم التأهل إلى نسختي كأس أمم أفريقيا عامي 2012 و2013 والخروج من الدور الأول في البطولة السابقة عام 2015. بحث طويل قام به مسؤولو الرياضة في الكاميرون أثمر عن قائمة تضم خمسة مدربين، والغريب أن بروس لم يكن من بينهم وإنما كان قد أرسل سيرته الذاتية إلى الاتحاد الكاميروني لكرة القدم أملاً منه في منحه فرصة بدت بعيدة المنال لقيادة المنتخب الكاميروني ذائع الصيت في القارة السمراء. اختيار مفاجئ على عكس المتوقع وبعد اجتماعات عديدة للمسؤولين الكاميرونيين قرروا بشكل مفاجئ تنحية القائمة المختصرة جانباً والاتصال بهوغو بروس للاتفاق معه على تولي المسؤولية الصعبة وهو الاختيار الذي أصاب وسائل الإعلام الكاميرونية بالذهول وجعلها تشن حملة إعلامية على المدرب البلجيكي قبل أن يبدأ عمله من الإساس نظراً لعدم قيادته أي منتخب أفريقي من قبل وتواضع نتائجه مع الفرق التي دربها في السنوات الأخيرة. بروس أحد أكبر مدربي "الغابون 2017" إذ يبلغ من العمر 64 عاماً، كان لاعباً سابقاً في المنتخب البلجيكي وخاض مع منتخب بلاده 24 مباراة دولية، وكان الرجل حتى عام 2007 يعد من أبرز المدربين داخل بلجيكا إذ قاد كلوب بروج لتحقيق لقب الدوري البلجيكي عامي 1992 و1996، كما أحرز كأس بلجيكا مع الفريق ذاته عامي 1995 و1996 فيما قاد أندرلخت للفوز بالدوري البلجيكي عام 2004، كما حصل على لقب مدرب العام مع جنك عام 2007. وعلى الرغم من كل ذلك فقد فشل الرجل تماماً في أن يترك بصمة واضحة أو يحقق أي إنجاز يذكر خارج بلجيكاً "بل أنه فشل بشدة مع أندرلخت في بطولة دوري أبطال أوروبا، ما أدى لتراجع أسهمه في سوق المدربين فقد أقيل من تدريب أندية بانسيرايكوس اليوناني وطرابزون التركي وشبيبة القبائل ونصر حسين داي الجزائريين. الهجوم الإعلامي على بروس وانتقاد توليه لمسؤولية قيادة المنتخبات الأفريقية دفعت العديد من نجوم المنتخب الكاميروني إلى الاعتذار عن الانضمام إلى صفوف الفريق إذ اعتذر عن المشاركة في كأس الأمم كل من جويل ماتيب لاعب ليفربول وأندري أونانا لاعب أياكس أمستردام إضافة إلى نداي أسمبي لاعب نانسي وألان نيوم مدافع وست بروميتش ألبيون وماكسيم بوندجي لاعب بوردو وأندريه فرانك أغويسا لاعب مرسيليا وإبراهيم أمادو لاعب ليل، كما رفض المهاجم إريك شوبو موتينغ لاعب شالكه من الأساس مناقشة أمر اشتراكه في أمم أفريقيا مع مسؤولي الاتحاد الكاميروني. قبول التحدي عقبات كثيرة واجهت الرجل الذي قبل التحدي بل أنه عمد إلى تجاهل كل الأجواء السلبية التي أحاطت به ولجأ إلى لاعبي الصف الثاني وجدد صفوف الفريق وهبط بمعدل أعمار المنتخب الكاميروني إلى 24 سنة وقدم إلى كرة القدم العالمية أسماءً جديدة أصبحت تعامل الآن كالنجوم الساطعة في بلدها في مقدمتهم الحارس الشاب فابريس أندوا "21 عاماً" والمدافع القوي نغاديو نغادجو لاعب سلافيا براغا "25 عاماً" والذي خاض مع منتخب بلاده 4 مباريات فقط حتى الآن إضافة إلى المهاجم الواعد كريستيان باسوغوغ "21 عاماً" لاعب ألبورغ الدنماركي، والذي أحرز الهدف الثاني في مرمى غانا، كما وضع الرجل كل ثقته في المهاجم بنيامين موكاندجو لاعب لوريان الفرنسي "28 عاماً" والذي خاض 40 مباراة دولية، فمنحه شارة قيادة الفريق. وأتت تجربة بروس ثمارها سريعاً وتمكن المنتخب الكاميروني من فرض التعادل على الجزائر القوية في تصفيات كأس العالم، ثم تعرض الفريق لعثرة مفاجئة أمام زامبيا على أرضه في التصفيات ذاتها قبل أن يجبر الجميع على احترامه في أمم أفريقيا الحالية بعد أن شق طريقه إلى النهائي مزيحاً من أمامه منتخبات بالغة القوة مثل الغابون المضيفة ثم السنغال المرشحة الأبرز لنيل اللقب وأخيراً غانا في طريقه للمباراة النهائي. تجربة رائعة لبروس جعلت المدرب المخضرم وكأنه ولد من جديد في عمر ال64 عاماً، ولكن الرجل الآن في موقف صعب أيضاً إذ هل سيفتح أبواب المنتخب للنجوم الغائبين بعد أن أقنع الجميع بمستواه الفني، أم أنه سيصر على مجموعته الشابة ويكمل بها استحقاقات المنتخب الكاميروني القادمة عقب ذلك وأبرزها استكمال تصفيات المونديال في أغسطس القادم؟.