بفرض أن هناك من سعوا إلى إخراج السيوف مبكرا من أغمادها لتقطيع لحم الفريق الوطني وفرم ربانه التقني هيرفي رونار، بتهمة ما كان من ضباب كثيف إكتنف صورة الأسود خلال وديتهم أمام فنلندا بمدينة العين الإماراتية، وبفرض أن هناك من أشهر تحت تأثير العرض الباهث للأسود أمام منتخب فنلندي يوصف بأنه من أخف العيارات الكروية بالقارة الأوروبية، تشاؤمه من مشاركة الفريق الوطني في نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي أفتتحت أول أمس السبت بالغابون، فإن وجودنا على بعد ساعات من مباراة الفريق الوطني الأولى عن الدور الأول لنهائيات المونديال الإفريقي أمام فهود الكونغو الديموقراطية، يلزمنا بإعلان حالة فعلية لحظر التشاؤم وتقطيع الجثث، وإسكات لسان النقد المبرح، لطالما أن فريقنا الوطني يحتاج اليوم إلى أن يشعر بكافة فعالياته بأن هناك قلوبا تدعو له بالتوفيق، حتى تلك التي يغلب عليها التشاؤم تتمنى لو تكذبها الوقائع، فمع تحقيق الفوز والمبتغى ستكون بأتم إستعداد لكي تقدم إعتذارها لأسود الأطلس بسبب أنها باعت ظلما جلدها بأبخس الأثمان. لا خلاف على أن أسئلة قلق كثيرة طاردتا جميعا بعد الذي شاهدناه في ودية فنلندا وكل الذي رصدناه وهيرفي رونار يجد حرجا كبيرا في تجاوز أثر الغيابات الوازنة لأربعة لاعبين أساسيين بسبب الإصابة، حرج قاد إلى الإرتباك، فبدت البدائل التي إستنجد بها محملة بكثير من التناقضات، قطعا ما كان من الممكن إلا أن نضع أيدينا على قلوبنا بعد الذي شاهدناه أمام المنتخب الفنلندي من إرتجاج قوي في منظومة الأداء، حتى أنه خيل لنا أن هذا الفريق الوطني جرى تجريده من ثوابته الفنية والبشرية، أو جرى فصله عن هويته، إلا أن كرة القدم علمتنا أن هناك فارقا كبيرا يستحيل معه كل قياس، بين الحافز المعنوي للمباريات الودية وبين الضغوط النفسية الرهيبة التي تدفعك حتما إلى لإخراح أفضل ما لديك في المباريات الرسمية. نستطيع أن نستند في إصدار التنبؤات والتوقعات على ما كان في مباراة فنلندا، إلا أن هامش المناورة يظل كبيرا وشاسعا، فكم من مرة بدت منتخبات في أسوإ صورة في كل محكاتها الودية، وعندما أهل يوم الجد ويوم المباريات الرسمية إنقلبت الأمور رأسا على عقب. كثيرة هي الجزئيات التي ستتحكم في أول إطلالة للفريق الوطني في نهائيات كاس إفريقيا للأمم بالغابون، عندما يواجه اليوم بأوييم فهود الكونغو الديموقراطية، من هذه الجزئيات ما يتعلق بالجانب النفسي ومنه ما يرتبط بدرجة التوفيق التي ستكون عليها العناصر الوطنية ومنها ما يرتبط بمدى نجاح الربان التقني هيرفي رونار في اختيار المقاربة التكتيكية التي تضمن الفوز بمباراة صعبة ودقيقة ومفصلية بحسب ما يملكه من خبرة في قراءة أحوال المنتخبات الإفريقية، ومنها أيضا ما يرتبط بالمنتخب الكونغولي نفسه، والذي لجأ بحسب رأيي إلى خطة للتمويه عندما أشاع حالة الإنفصام الموجودة بداخله نتيجة تأخر المستحقات المالية. إلى جانب كل هذه الجزئيات التي تتحكم عادة في مصير كثير من المباريات، هناك أمر غاية في الأهمية، وهو أن الفريق الوطني ما كان شحيحا في التعبير في كثير من كؤوس إفريقيا عن ممكناته الفنية، وما كان مصرا على معاكسة التوقعات، إلا لأنه إفتقد لأكبر خصوصية يفرضها التباري على مستوى كأس إفريقيا للأمم، الإصرار على ربح النزالات الثنائية وكسب الإلتحامات البدينة التي هي أم القواعد في التعريف بالكرة الإفريقية، ويخيل لي أنه مع وجود هيرفي رونار الذي خبر المونديال الإفريقي لخمس مرات ونجح في قيادة منتخبين مختلفين (زامبيا وكوت ديفوار) للفوز بالكأس الإفريقية وتوغل في خصوصيات الثقافة الكروية الإفريقية، سيعرف كيف يوجه الأسود لربح المعارك التكتيكية بمعزل عن الموهبة الفردية التي يتحجم دورها عادة عندما يسيطر الأداء الجماعي على المشهد. من جزئية صغيرة يمكن أن تحدث أشياء كثيرة، فلو نجح الفريق الوطني في الفوز بإذن الله على فهود الكونغو اليوم بأوييم، فإن الصورة ستختلف بدرجة كبيرة، وسيكون ذلك إيذانا بأن يصبح الفريق الوطني علامة فارقة في هذه المجموعة الصعبة والمعقدة. بالتوفيق لأسود الأطلس، قلوبنا دائما معكم وألسنتنا تلهج بالدعاء لكم.