لأن شقائق النعمان تولد في العتمة··· ولأن الأزهار الرائعة تنبث في الخرائب··· ولأن عظمة وأنفة وإباء الرجال تظهر في عز المحن··· ولأن من يريد الحياة على قول الشاعر الكبير أبو القاسم الشابي لا بد أن يستجيب القدر، ولا بد أن يجلي ليل الأحزان والكبوات ويكسر قيد الإخفاق والإحباط·· لأننا جميعا واعون بأننا إلى أسفل درك سقطنا وإلى الحضيض وصلنا، فإن معاودة الصعود إلى سطح الحياة والأمل لن يكون أمرا متعسرا متى وجدت الإرادة ومتى قويت العزيمة، ومتى تلاحمنا جميعا من أجل مصلحة هذا البلد·· والمصلحة تقتضي أن نبلغ أقصى درجة في القساوة على النفس، فنعترف بكل أخطائنا، بكل زلاتنا وبكل الذي فعلناه عن عمد وعن غير عمد لمعاداة النجاح، لمعاكسة التيار وللخروج عن النص·· خلال الرحلة الإقصائية الأخيرة والتي انتهت إلى إقصاء فظيع، كانت هناك محاكمة صريحة لحالنا، لتفكيرنا ولتدبيرنا الكروي من التاريخ، فقد كانت الأدلة كلها تقول أننا مذنبون وكانت القرائن كلها تقول بأننا زرعنا الأخطاء والحسابات الضيقة والنزوات الذاتية فحصدنا كل هذه الحرائق التي تأتي اليوم بنارها ولهيبها على الصبر·· وفي ذلك كله، ونحن نعترف بالذنب ونقر باقتراف الجرم في حق أنفسنا أولا وفي حق كرة القدم الوطنية ثانيا، نكون كمن يتطهر من ذنوبه، كمن يغسل الأحزان وينهض لغذ جديد وقد تعلم من الدروس، إستخلص العبر وما عاد ممكنا أن يلدغ من ذات الجحر مرات ومرات·· أنا هكذا أرى في الشدائد مهما قويت وفي الإخفاقات مهما كانت كارثية وعسيرة على الهضم مصالحة مع الذات ومع الآخر، تحالفا مع كل القوى من أجل النهوض من الكبوة، لذلك نعرف أن السقطة كانت مريعة، كسرت العظام وفتحت جروحا في جسد أغارت عليه كثير من الإخفاقات ولكنها وهذا هو الأهم لم تكسر الثقة، الثقة في أن لنا جميعا القدرة على أن ننهض مجددا، لنحصن كرة القدم الوطنية، لنقيم من حولها أحزمة تقيها شر السقطات ولنصحح ما كان فيها دائما من أخطاء· وأعتبر أن هذه المرحلة ولو أن غيري رأى فيها شبها من مراحل سابقة، مرحلة غير مسبوقة في تاريخ كرة القدم الوطنية فعندها وبعدها سنعرف من نحن؟ هل علمتنا الدروس شيئا؟ وهل نحن بكامل الأريحية والوطنية لنؤسس لعهد كروي جديد؟ عندما أطلع رؤساء الأندية وقد اجتمعوا بالمكتب الجامعي رئيسه وأعضائه الإثنين الماضي بالصخيرات لأول مرة منذ أن انعقد الجمع العام الذي أعطى لجامعة كرة القدم فكرا جديدا وأشخاصا جددا، أيقنوا أن لغة الحوار تغيرت، والمقاربة تبدلت ووسائل العمل المرصودة لتحقيق الإقلاع المرجو هي من صميم رهان المرحلة ومن صميم الواقع نفسه فاستبشروا وبشروا أيضا· إستبشروا لأن في تكريس قاعدة الحوار والتواصل خارج القواعد البديهية التي تضعها القوانين الأساسية وهي الجموع العامة، ما ينبئ بأن هناك إرادة جامعية مستوحاة من الإرادة الملكية هادفة إلى تقويم وإصلاح وتعديل المشهد الكروي برمته، قاعدته وقمته على حد سواء، وفي ذلك ما يعزز الثقة بالدور المناط بأندية الصفوة في برنامج الإصلاح· وبشروا من خلال التفاعل الإيجابي، بالإستماع بعمق وبالتناظر وبإبداء الرأي بمستوياته التي ترتفع عن الأنا، بأن أندية الصفوة بكامل الإستعداد للإنخراط في برنامج ينعكس بالأساس عليها هي، إذ ينشد تطوير أدائها والرفع من قيمة منتوجها وتسريع وثيرة الإنتقال بها إلى المنظومة الإحترافية·· ولعلكم ستقفون وأنتم تطلعون على المواكبة الإستثنائية لاجتماع الصخيرات على هذه الحقائق كلها، ما يقول صدقا بأن هناك هما مشتركا وبأن هناك تطلعا جماعيا لإصلاح ما أفسده الدهر في كرة القدم الوطنية، وقطعا إذا صدقت النية صدق العمل·· --------------- لست أدري إن كانت مصادفة أن يدعو رئيس الجامعة أعضاءه ومستشاريه إلى الإجتماع برؤساء الأندية الوطنية في قصر المؤتمرات بالصخيرات، فقد كان الإجتماع محفوفا بصدى ما كانت الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الثانية حول الرياضة قد أحدثته من أثر عميق ليس في نفوس من جاؤوا للتناظر فقط، ولكن أيضا في كل الذي خلصت إليه تلك المناظرة من توصيات إنبنت عليها إستراتيجية وزارة الشباب والرياضة·· ونذكر أن كثيرا مما ورد في الرسالة التي وجهها القائد الحكيم صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله للمناظرة إنطبق بالأساس على كرة القدم التي هي رافعة وقاطرة ومرآة كبيرة عاكسة للسياسة الرياضية، وعندما يهيب عاهل البلاد بكافة الفاعلين المعنيين أن يتناولوا الموضوع بروح عالية من المسؤولية والجد والإلتزام، وبكثير من الطموح والتفاؤل، بغاية الإجتهاد في بلورة أفضل السبل لوضع إستراتيجية وطنية للرياضة المغربية في إطار رؤية جماعية ومسؤولة، فإن ما راج في فضاء الحوار بالصخيرات، وما بلوره برنامج إصلاح كرة القدم بمقاربات حديثة وآليات تنفيذ مستحدثة، يقول بأن عائلة كرة القدم بدأت فعلا في تصحيح ما يوجد في المشهد الكروي من اختلالات· إن ما تتيحه التعبئة الحالية وما ترصده الدولة والقطاع الخاص من إمكانات مادية محترمة لكرة القدم، يجعلني متوجسا من شيء واحد، هو أن لا يكون لنا ما يكفي من الرأسمال البشري للإضطلاع بكل المهام التي يفرضها برنامج الإصلاح، أكان ذلك على المستوى الإداري والتدبيري أو على المستوى التقني· وهنا تبرز الحاجة داخل جامعة كرة القدم إلى وضع خطة تكوين مستعجلة تنطلق من الآن بوثيرة متسارعة لتأهيل العنصر البشري ليكون أهلا للمسؤولية وأهلا لرهانات المرحلة· -------------- ولأن الأوراش التي توافق رئيس الجامعة مع رؤساء الأندية على إطلاقها عن قريب تفعيلا لبرنامج إصلاح كرة القدم، وهي جميعها مستوحاة من الخطوط العريضة التي رسمها علي الفاسي الفهري لاستراتيجية مكتبه الجامعي، تكتسي أهمية قصوى، فإن برنامج "الضيف الخامس" على قناة الرياضية سيستضيف يوم الجمعة إعتبارا من الساعة العاشرة وعشرين دقيقة ليلا السيد رشيد الوالي العلمي العضو الجامعي، رئيس لجنة العلاقات مع الجماعات المحلية ونائب رئيس الجامعة في اللجنة الخاصة بتسيير البطولة الوطنية، والذي كان قد تولى خلال إجتماع الصخيرات عرض السياسة الجديدة للجامعة في تدبير البطولة الوطنية وطرق التمويل في أفق العصبة الإحترافية، سيستضيفه لكل المغاربة بهدف الكشف عن فحوى المخطط الإصلاحي· فرجة ممتعة··