يضع القدر أحيانا تفاصيل غريبة في الحياة ككل، بعضها يحاكي السخرية وجزء آخر يقترب من الدروس الحبلى بالصور والعبر، وما حدث بنهائي كأس العرش اقترب من أسطورة في عكس غرابة ومكر هذا المسمى قدرا، فلا يمكن أن نتصور أن يكون بلوغ الجيش الملكي الذي يرأسه الجنرال حسني بنسليمان والفتح الرباطي الذي يرأسه علي الفاسي الفهري هذه المحطة ولأول مرة في تاريخ المسابقة، سيتآكل ويعتصر غريمان وقطبا نفس المدينة في لقاء نهائي كأن الخطط الموضوعة له خارج إطار المستطيل الأخضر أكبر بكثير من تلك التي دبرها ماوس وعموتا، قلت لا يمكن أن نتصور تواجد هذين الفريقين في لقاء النهاية دون أن يكون القدر من دبر الموعد لغايات وقراءات غيبية ولا دخل لأحمد غيبي طبعا ولجنة برمجته فيها· بعد 14 أبريل يوم تسليم السلط بين الرجلين بالجامعة وبأسبوع تحديدا ستبدأ منافسة كأس العرش في حرق مراحلها التصفوية بأدوار أولى تمهيدية دون أن يتنبأ أو يتكهن أي كان بأنه ليست هذه هي المرة الأخيرة بقاعة الأشغال العمومية بالذات التي سيجلس خلالها الفهري وبنسليمان جنبا إلى جنب وأن القدر يخبئ لهما معا، وهذه المرة بتاريخ 18 نونبر وبالمقصورة الشرفية للمركب الأميري وفي نهائي تاريخي جلوسا آخر يحاذيان خلاله بعضهما بالأكتاف والمناكب· هل صحيح أن أسطورة الحكي التي تقول أن "الجبال لا تلتقي والرجال تلتقي" كانت تنطبق على حالة كهاته؟ سؤال خبيث وماكر حقا خبث ومكر التفاصيل القدرية التي هيأت هذا البلاطو في هذا الظرف بالذات الذي يميز أجواءه حنق وغضب جماهيري غير مسبوقان بالمرة على واقع المنتخب المغربي· وقبل الدخول في القراءات الإفتراضية الغيبية، لا بد من التأكيد على حقيقة واحدة مطلقة لا يمكن إغفالها، وهو أن جيل لاعبي الجيش الملكي الحالي دونوا إسمهم بمداد من ذهب، أولا بتكسيرهم أرقام الحيازة والتتويج (حليم، خيري، لغريسي، شيشا، هيدامو، الفاضيلي وحسينة)، في التوشيح بثلاثية مسترسلة قد يطول الإنتظار لعشرين سنة أخرى أو أكثر كي يكررها جيل آخر، وثالثا لأن ذات الجيل استطاع التأكيد على أن الكبار لا يموتون إلا وهم وقوفا شامخون مهما دارت عليهم دوائر التواضع، ورابعا انتصروا لكبرياء الإسم واللذين يقفون خلق النادي وخلف ستارة التسيير والإدارة في ظرف كانوا أحوج فيه لهذا التتويج قبل أن يترجلوا مزهوين ومتشبتين بنصر عظيم، إذ كان سيكون مجحفا لو ودع رجل من طينة حسني بنسليمان بكل أفضاله وعطاءاته وإسهاماته حال الكرة مكسور الوجدان لثاني مرة بعد أن تخلى عن الجامعة في محطة الغابون المخيبة والمحبطة، ومعه نور الدين قنابي الذي أسس لثورة حقيقية في النتائج منذ قدومه، وكان الإثنان معا بحاجة لإهداء رائع في صورة وتصميم التتويج والكأس بالذات، وأمام هذا الفريق بالذات، وفي هذا الظرف بالذات وسأفسر كيف ولماذا؟ منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة وخلال مناظرته الشهيرة كرة القدم والمال الثنائية الرابحة، قال وبالحرف وهو أحد أعضاء المكتب المديري للفتح قبل أن يُستوزر: رهاننا هو أن تصبح لنا أول قاعدة جماهيرية بالرباط وأن نكون ممثل العاصمة الأول والقطب الكروي الثالث بالمغرب خلف الوداد والرجاء·· وهي تصريحات لا تحتاج للتوضيحات التي تصبح من المفضحات لأنها تفسر ذاتها بنفسها، في ذات اللحظة كان الجنرال حسني بنسليمان الذي ترك الجامعة لأصحابها الجدد قد فضل خوض معسكر مغلق بالمركز الرياضي العسكري، وجعل عينا على تأهيل رياضيي الصفوة الأولمبيين برصيد 33 مليار لهم، وعين أخرى على إعادة هيكلة فريق الجيش الملكي لينهض على أقدامه مجددا حتى يستعيد ريادته وتوهجه، ومن أجل تمثيلية تليق وتضع حسابات لمنافس قادم إسمه الفتح، وبالنهائي تأكد أن ما راهن عليه بلخياط يحتاج زمنا طويلا ليتحقق بعد أن اكتسح جمهور الجيش الملكي المدرجات وأنقذ العرس من أن يتحول لنكتة، ومعه تأكد أن الفريق العسكري أسس لقاعدة جماهيرية محترمة وبأنصار أكدوا حقا لماذا يسمون أنفسهم الجوالة والرحالة، في حين قلة هي من ناصرت الفتح أين؟ بالعاصمة الرباط· وحين كان علي الفاسي الفهري يمني النفس بلقب يؤكد من خلاله حسن تدبيره لإطار النادي كجزء ومدار ضيق قبل أن يبرر لماذا هو على رأس الجامعة، كان حسني بنسليمان وكما جسده تفاعله العفوي وفرحته العارمة بهدف وادوش وهو المعروف بهدوئه ورصانته يتوق للقب ثالث على التوالي يبرز من خلاله أن تربص 6 أشهر بالمعمورة، كان ذو فائدة وأن سقطة الغابون وغيرها من العثرات التي جزء كبير منها داخل الجامعة لا يتحمل مسؤوليته كان كبوة جواد وجواد أصيل حتى· ولأن القدر أبى إلا أن يتلاعب ليس في تصميم إسمي فارسي النهائي وإنما في تحديد البطل، فقد قرب ماوس في ثواني من مشنقة الإقالة وعموتا من محطة الأبطال قبل أن يعكس الآية ومعها الأحكام، وشاهدنا كيف عاش الفهري وبلخياط إيقاعات الفرح ل 87 دقيقة ومعهما حسرة الجنرال قبل أن يتدخل ذات القدر برعشة الصدمة ليغير كل شيء ويقلب المعطيات، ولعل من تابع الإحتفالية الأخيرة لرجالات الجيش ووجوم آل "فتح" عرفوا وفطنوا للعبة القدر وأحكامه، وكيف أن مباراة أخرى خارج "العشب" كانت أكثر تشويقا، مباراة فتح الله من خلالها على الجيش الفتح المبين ليدخل التاريخ، زعيما على حساب فتح الرباط·