مهمومة بعد الهزيمة أمام تونس، لم تعد كل تلك الأغاني الوطنية التي هطلت فجأة قبل الكان صالحة للاستعمال. وبات عيبا أن يتم الاستماع إليها مجددا في هذا الظرف العصيب الذي تجتازه أمتنا، إنها ليلة الإحساس بالعار التي لا تناسبها كلمات التحدي والعزيمة التي تحفل بها الأغاني المحتفية بأسود الأطلس، فكل المطربين والمطربات ضربتهم اللقْوة من فرط الصدمة، وكل آلات الغناء والرقص والطرب التي كانت تستعد لاحتلال الشوارع بعد نهاية المباراة ارتدت ثوب الحداد، فلا صوت يعلو على صوت البكاء، وحْتى من الطعريجة شدّات حق الله. إن الهزيمة أمام تونس حرمت ملايين المواطنين البسطاء من الخروج إلى الزنقة بالأعلام والبنادير والرقص في الشوارع حتى الصباح. كما حرمت كثيرا من المطربين من أداء نمرتهم في الكباريهات، لأن الحاضرات هناك ليست لديهن شهية الرقص بعد المباراة، ولأن الحاضرين معهم ليست لديهم رغبة في الإنصات إلى أية حنجرة مفضلين من شدة حزنهم الإنصات إلى عظامهم.. أما المحظوظون من المطربين في الكباريهات الذين واصلوا العمل بعد المباراة فقد كانوا مضطرين إلى تغيير برنامجهم «الفني» تلك الليلة، فتركوا كل الأغاني الراقصة، وأجبرهم أصحاب المحلات لإرضاء الزبائن على غناء أغاني ناس الغيوان الباعثة على النكد، وخاصة أغنية «مهمومة واخيي مهمومة، مهمومة وهاد الدنيا مهمومة». لا، مع المناسبة ديال كأس إفريقيا كان خاصهم يغنيوا هاديك الأغنية ديال: «يا الدم السايل، يالورد الدابل، يا أم البلدان يا إفريقيا». أو لا يغنيوا هاديك الأغنية ديال: «عَمْ الفساد في البْلاد، آهيا العْباد». أناااري، آش قرّبنا عاودتاني لهاد الهضرة؟ واش مدرب كيشد 250 مليون في الشهر وكيخسر، ماشي الفساد هادا؟ لو استغل الشماخ وبوصوفة وحجي وغيرهم تلك الفرص التي أتيحت لهم لانتصر المغرب على تونس، ولخرج المغاربة جميعا إلى الشوارع محتفلين بالأسود، ولما سأل أحد عن راتب المدرب إريك غيريتس، بل كان من الممكن من فرط النشوة أن يهتف المواطنون: «الشعب يريد مضاعفة راتب غيريتس». لكن الهزيمة أعادت الجدل حول المدرب البلجيكي وراتبه، وبدا المغاربة مجددا أكثر الشعوب حرصا على حماية المال العام، وأكثر حماسة لمحاسبة المبذرين، مثلما تبين أن مشاعرهم رقيقة وسريعة العطب، وأن دموعهم تسيل لأقل سبب، وأن قلوبهم تنفطر لأقل مأساة، فالمستمعون الذين اتصلوا بالبرامج الإذاعية عقب المباراة عجزوا عن الكلام من شدة الألم، عادوا غاضبين لعائلتهم، ولا واحد هضرهم. ياك لاباس؟ آش واقع؟ هل تستحق هزيمة في مباراة لكرة القدم فعلا كل هذا الحزن والغضب والغيرة على الوطن؟ علاش ما درْناش هاد الحالة ملي شفنا المعطلين مرمدين، وما بكيناش؟ واش حْنا بكينا حتى على هادوك المواطنين اللي قتلهم البرد في الجْبال؟ إذن. مزيان ملي خسرنا في اللول مع تونس، باش من دابا نّوضوا نهتموا بكاع خوتنا المغاربة اللي عايشين مكرفصين. بلاتي ماشي دابا، حتى نشوفوا آش غادي نديروا مع الغابون! نافذة «الشعب يريد مضاعفة راتب غيرتس»